عرض كتاب قراءة وكتابة

تحت ظل الكتابة

تحت ظل الكتابة

الاحتفاء بالقراءة والكتابة من خير ما يقدمه المرء لمجتمعه؛ فالقراءة ترتقي بالوعي، وتحسن السلوك، فضلاً عن زيادة المعلومات وتنوع المعارف. والكتابة سبب للتفكير العميق، وطريق للتغيير الآمن، وجسر متين للتعبير عن الذات، وتشارك التجارب.

والمشاركات العربية في هذا الجانب ليست نادرة، وإن لم تبلغ حداً توصف معه بالكثرة، وأيّاً كان فالتفاعل مع الكتب التي تتحدث عن هذين الصنوين-والغريمين أحياناً-أعني القراءة والكتابة، أقل من المأمول، خلافاً لمؤلفات الغربيين التي تجد رواجاً بيننا، وعند غيرنا، فكم من كتاب ترجم إلى لغتنا المقدسة، ولا أعرف كتاباً ترجم عن العربية حول القراءة أو الكتابة، ومن المؤكد أنه عدد قليل إن وجد.

وبين يدي كتاب لطيف، عنوانه: تحت ظل الكتابة، تأليف أمير تاج السر، وهو كاتب وروائي وطبيب سوداني. صدرت الطبعة الأولى من هذا الكتاب عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر عام (2016م)، وعدد صفحاته (263) صفحة من القطع المتوسط، وهو عبارة عن مقالات تحوم حول القراءة والكتابة والرواية.

يبدأ الكاتب بالحديث عن ثقافة الاحتفاء بالمثقف، وما تعانيه من ضمور في عالمنا العربي، حتى أن المبدع لا يكرم إلا إذا مات أو دخل في غيبوبة! ونقل خبراً لطيفاً عن تكريم جنوب أفريقيا للكاتبة نادين غورديمر بوضع صورتها على العملة الورقية، كما فعلت كولومبيا ذات الشيء مع الروائي العالمي ماركيز، وحث تاج السر على تفعيل أدوات الاحتفاء، ووضع جوائز بأسماء المبدعين في حياتهم.

وأثنى على طريقة الكاتب الأرجنتيني ألبرتو مانغويل في تدوين خبراته عن القراءة أو الكتابة-سبق لي استعراض ثلاثة كتب له- حيث صور المكتبة في الليل كما لو كانت كائناً حياً يتنفس، وللقراءة عنده تاريخ وطقوس ويوميات. ومن تجربة مانغويل يجزم بأن أفضل أمناء المكتبات من لم تكن القراءة هواية له؛ كي لا يتحيز لكتاب أو فن.

ويحث مانغويل المثقف على حشد الذكريات في كتبه ومكتبته، مثل تاريخ الشراء، ومكانه، ومقداره، وتأريخ القراءة الأولى للكتاب، وموقف المثقف تجاهه، وهذه أعمال “عشق” لا يعرفها إلا من جعل القراءة عملاً مهماً ضمن جدول حياته، وأما الذين جعلوا الكتب منظراً جمالياً فقد حرموا منه.

أما بورخيس -أستاذ مانغويل- فيقرأ لمشاهير ومغمورين، ويستعين بآراء كتاب غير معروفين، ولا يتحرج من الاشتراك في عمل أدبي أو ندوة مع كاتب صغير، ويناقش الأفكار بندية مع كتّاب من تلاميذه، ويرحب بما يقال عن نصوصه إن سلباً أو إيجاباً، وهذا مؤشر على ضمور النرجسية لديه.

وعلق المؤلف على قول الروائي الإيطالي أمبرتو إيكو بأن الانترنت أفرزت حماقة كبرى حين منحت لكل أحد الفرصة لنشر ما يكتبه، فأصبح ضررهم عاماً، فقال الأمير بأن الإنترنت حملت حكمة البعض، وأوصلت للناس أصواتاً ما كان لها أن تصل من قبل.

والكتاب بجملته غزير الفوائد، سلس المحتوى، وعناوين المقالات بارعة جداً، ومن أبرز ما فيه من فوائد تهم الكتَّاب وتفيدهم:

  1. الكاتب العربي يكتب بنصف عقل ونصف وقت؛ لانشغاله بهموم العيش والكسب.
  2. الأسماء الغريبة تلهم الكاتب الروائي.
  3. حتى لو وصفت الرواية الواقع بدرجة كبيرة فهي متخيلة.
  4. وسائل التواصل تردم الفجوة بين الكاتب وقرائه، وواجب على الكاتب التفاعل معها.
  5. كل شيء في الدنيا يمكن أن يوحي بقصة، وأن يكون من خامات الكتابة.
  6. إعادة الكتابة بحبر آخر، والإفادة من أعمال الآخرين، عمل مشروع.
  7. أهمية حضور برامج التدريب على الكتابة لمن يجد في نفسه إقبالاً على الكتابة.
  8. كثيرا ما يكتب الروائيون من وحي بيئتهم، وتصف بداياتهم خبراتهم الأولية في الحياة.
  9. آراء شخوص الرواية قد تعبر عن آراء الكاتب ذاته.
  10. تبدأ التجارب الإبداعية كفكرة صغيرة في ذهن المبدع ثم تنمو.
  11. صياغة الإبداع منح ربانية، ولسعة الكتابة لا تترك صاحبها حتى ينجز عمله.
  12. الزج بالمبدع في جدل يبعده عن إبداعه أشبه بالقضاء عليه.
  13. أسئلة الكتابة قائمة وماتزال.
  14. مراجعة الكتب، وكتابة قراءة مختصرة لها تفيد الكاتب كثيراً.
  15. صيد الحكايات زاد مهم للكاتب.
  16. المكتبة في الأسواق الحديثة الكبرى أشبه بأحزاب المعارضة!
  17. الحياة مغامرة كبرى، والكتابة مغامرة داخل المغامرة.
  18. كتابة الممنوع ليست شرطاً للنجاح في الكتابة.
  19. الكتابة توصف أحيانا باللصوصية لأنها تسرق من أفكار المجتمع.
  20. لا حرج في الحديث عن التجربة الكتابية إذا كان حديثاً حيادياً.

ولا يخلو الكتاب من مواقف باسمة، وأخرى محرجة، وثالثة مزعجة، وكلما كان الكاتب معروفاً، وحاضراً في المجتمع، استطاع أن يجعل انفتاحه على المجتمع زاداً له في الإبداع والكتابة، على أن يتحمل ما يناله من ضرر، وضياع للوقت، وسوء فهم أحياناً.

أحمد بن عبد المحسن العسَّاف-مكة شرفها الله

ahmalassaf@

الأربعاء 29 من شهرِ رجب عام 1438

26 من شهر أبريل عام 2017م

Please follow and like us:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)