إدارة وتربية

 العملُ والعلاقاتُ الخاصَّة

العمل أمانة ومكانه ليس ملكا لأحد.

 العملُ والعلاقاتُ الخاصَّة

سمعتُ فيما مضى ملَّخصاً لروايةٍ أمريكيةٍ تحكي قصةَ رجلٍ ثريٍ أنشأَ ما ينيفُ على مائةِ شركة، وجعلَ لها قوانينَ ونظماً تحكُمها وقيماً وأعرافاً تسيرُ عليها، وقدْ تعرَّضَ هذا الرجلُ وهو في الستينَ منْ عمرهِ إلى حالِ حبٍّ وعشقٍ مفتعلةٍ منْ فتاةٍ عشرينيةٍ؛ على أملِ أنْ يوظِّفَ خطيبَها في إحدى شركاتِه على أنَّه أخوها، وحاولَ الرجلُ استخدامَ نفوذهِ للتمكينِ لهذهِ العلاقةِ الشخصيةِ، لكنَّ جميعَ مديري شركاته رفضوا توظيفَ هذا الشابِ؛ لعدمِ توافرِ الشروطِ فيه حسبَ معاييرِ هذهِ الشركاتِ التي شاركَ في وضعِها وبنائِها هذا العجوزُ المتصابي، وعبثاً حاولَ تجاوزَ النِّظامِ لمآربَ شخصيةٍ، وكانَ الجميعُ يدافعونَ تدَّخلاتهِ معْ كونهِ مؤسسَ هذهِ الشركاتِ وشريكاً رئيساً فيها.

إنَّ العلاقاتِ الشخصيةَ والاجتماعيةَ خصيصةٌ منْ خصائصِ الإنسانِ السوي، وقدْ جاءَ دينُنا بما يشدُّ منْ عُرى هذهِ العلاقاتِ منْ أحكامٍ وآدابٍ وتوجيهات، ولكنْ منْ المؤسفِ أنَّ بعضَ النَّاسِ يقدِّمُ هذهِ العلاقاتِ على واجبِ العملِ ومقتضى الأمانةِ؛ فيُقدِّمُ مَنْ حقُّه التأخيرَ، ويكافئُ مَنْ حقُّه العقابَ، ويجاملُ مَنْ حقُّه العتابَ، وكلُّ ذلكَ على حسابِ العملِ والإنتاجِ، وعلى حسابِ أمانةِ هؤلاءِ وذمَمِهم.

وكلَّما كانَ العملُ مهمَّاً وعامَّاً، ويتأثرُ بهِ جمٌّ غفيرٌ منْ النَّاسِ زادَ معدَّلُ الحذرِ والحيطةِ فيه؛ ووجبَ أنْ تكونَ التسميةُ والتعيينُ مبنيةٌ على المقاييسِ المعتبرةِ شرعاً ومصلحةً ونظاماً؛ وقدْ أشارَ القرآنُ الكريمُ إلى بعضِ هذهِ الصفاتِ مثل: القوي الأمين والحفيظ العليم. كما وردَ في السنَّةِ المشرَّفةِ ما يشيرُ إلى أنْ توسيدَ الأمرِ لغيرِ أهلهِ تضييعٌ للأمانةِ وأمارةٌ على قُربِ الساعة. ويتعينُ أنْ تصيرَ المكافآتُ والعقوباتُ على مقدارِ أداءِ العاملِ دونَ نظرٍ لصورتهِ في قلبِ وعقلِ المسؤولِ، فضلاً عنْ رأيِ عينيهِ التي قدْ تعشقُ كلَّ قبيحٍ وجههُ حسنْ كما قالَ المتنبي.

ومنشأُ هذهِ العلاقاتِ الشخصيةِ يكونُ في الغالبِ مِنْ تشابهٍ أوْ تنافرٍ في الاهتماماتِ والانتماءاتِ القبليةِ، والإقليميةِ، والفكريةِ، والمهنيةِ، وأساليبِ العملِ والتفكيرِ، والسماتِ الشخصيةِ، إضافةً إلى المركزِ الاجتماعي والمالي؛ وقدْ يكونُ للمظهرِ أثرٌ في ذلك؛ فكلُّ هذهِ عواملٌ تسبِّبُ القربَ لدرجةِ التلاصقِ أوْ البعدَ لدرجةِ التنافر؛ والسلامةُ في العدلِ والتوسطِ؛ لكنْ أينَ مَنْ؟

فمتى يأتي اليومُ الذي نفصلُ فيه علاقاتِنا الشخصيةِ عنْ العمل، فيكونُ الجميعُ سواسيةً في الحقوقِ والواجباتِ والفرص، ويظلُ مكانُ العملِ مقصوراً عليهِ وليسَ منزلاً آخرَ للمسؤولِ يُقرِّبُ فيهِ مَنْ يشاءْ ويبعدُ عنهُ مَنْ يشاء ويتبعُ هواهُ بلا اعتبارٍ لمصالحِ العبادِ والبلاد؟ ومتى تكونُ الضوابطُ والشروطُ هي المعاييرُ التي يُبنى عليها الاختيارُ والتقييمُ ويجري بموجبِها الرَّفضُ أوْ القبول؟ آملُ أنْ يكونَ ذلكَ قريباً.

أحمد بن عبد المحسن العساف-الرياض

السبت 05 من شهر جمادى الآخرة 1427

 

Please follow and like us:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)