وصلتني نسخة إلكترونية من كتاب عنوانه: معجم مصطلحات العلوم الشرعية، وهذه هي الطبعة الثانية الصادرة عام (1439=2017م)، وهو عمل علمي كبير مشترك بين مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية ووزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد. يقع هذا المعجم في أربعة مجلدات عدد صفحاتها (2096) صفحة. أشرفت على هذا المشروع لجنة عليا من أربعة أعضاء أحدهم الباحث الرئيس أ.د.إبراهيم بن حماد الريس، ومعه لجنة علمية من عشرة علماء وأمينها م.باسل بن عبدالله الفوزان، ويساندهم لجنة أخرى فيها أربعة عشر باحثًا مساعدًا، ويضاف للهم استشاريان، ويكون المجموع ثلاثون مشاركًا، وهذا العدد ليس بكثير على مثل هذا المعجم الموسوعي الذي صدر في كتاب، وترجم للإنجليزية، وأسس له موقع إلكتروني، والمجال فسيح للمزيد مما ينتمي لبلادنا، ويؤكد موقعها في الصدارة.
ابتدأ المعجم بكلمة مختصرة لوزير الشؤون الإسلامية -آنذاك- معالي الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ أثنى فيها على هذا الجهد العلمي الذي يمثل بلادنا وقيمتها العلمية ومكانها ومكانتها، ويعلي من إسهامات المسلمين الحضارية، ويفيد في ضبط المعاني وتقريب المفاهيم ومنع اللبس. تلاه تقديم لسمو رئيس مدينة الملك عبدالعزيز -حينذاك- الأمير د.تركي بن سعود بن محمد آل سعود أوضح فيه سعي المدينة لتسخير التقنية من أجل خدمة العلم والبحث في مجالات شتى منها علوم الشريعة واللغة العربية. والمأمول أن يستمر العمل والتطوير في هذا المشروع الذي ينتسب لبلادنا ومؤسساتها، وإن تغيرت الأسماء.
عقب ذلك جاءت المقدمة التي أوضح فيها الباحث الرئيس أ.د.إبراهيم الريس أهمية المصطلحات حتى قيل: “لا معرفة بلا مصطلح”، وذهب آخرون إلى أن “فهم المصطلحات نصف العلم”، وبناء على ذلك فلا غرابة من أهمية قضية المصطلح، ومنها مصطلحات العلوم الشرعية، التي تؤثر في ضبط المعاني، وتساعد على تقليل مساحات الاختلاف والتنازع؛ ولأجل ذلك ولدت فكرة المشروع بالتعاون بين الوزارة والمدينة، وبدأ العمل فيه من غرة شهر الله المحرم من عام 1436= أواخر عام 2014م.
للمشروع أهداف ومنهجية ورموز وحدود زمنية من البعثة النبوية حتىيومنا، وحدود علمية تضم جلّ علوم الشريعة. وقد استعرضت المقدمة باختصار الدراسات السابقة ومراجع المعجم على اختلافها، وأخيرًا اعتمد هذا المعجم على (848) من المراجع الأصلية والفرعية، وهي مذكورة في آخر المجلد الرابع، وفيها القديم والحديث، والمختصر والواسع، مع التنوع في البلدان والمنهجيات التي تقوم عليها هذه المصادر والمراجع، فأولها “اليواقيت والدرر في شرح نخبة ابن حجر” للمناوي، وآخرها “الإبانة عن أصول الديانة” لأبي الحسن الأشعري.
أما أول كلمة في المعجم فهي “الأب” من علم العقيدة، وآخر كلمة “يوم عرفة” وتدخل في علم الفقه، فاللهم ارحم الآباء، ويسر الحج للراغبين فيه. ويبلغ عدد المصطلحات الواردة فيه (11229) مصطلحًا، وأكثر حرفين ابتدأت بهما المصطلحات هما الألف والميم، وقد حاولت معرفة أكثر مصطلح تعرض للشرح ولم أفلح بسبب يعود لي وللوقت. ولا عجب أن يستغرق العمل في هذا المشروع ثلاثين شهرًا إلى أن ولد بعدها متجاوزًا مرحلة الفطام والاستعجام إلى المشي القويم والإيضاح الفصيح؛ وهذه الثمرة أينعت بعد فضل الله من الحرص على المتابعة وضبط الجودة. علمًا أنه يوجد مشروع آخر لمعجم منفصل لكل علم من العلوم الشرعية، يقع في سبعة مجلدات وإجمالي عدد صفحاته (2802)، وعدد مصطلحاته (11940) مصطلحًا، ولم يتيسر لي الاطلاع عليه، وكم تسرنا هذه المعاجم السعودية.
إن العمل المعجمي يدل على أمة حية متعلمة، ويعزز من قيمة المكتبة العربية والإسلامية ومن حضارتنا. ومثل هذا العمل يفيد العلماء والباحثين، ولا يقتصر عليهم؛ لأنه مفيد لعامة المثقفين والكتّاب، ويجعل غير المختص عارفًا ولو بقدر يسير للعلوم والفنون ومعانيها وحدودها وموضوعاتها، كي يحسن التصور، وينجح في الاستعمال، ولا يخبط خبط عشواء لا يناسب حملة الأقلام وأرباب الفكر؛ فشكرًا للوزارة وللمدينة، ولثلاثين رجلًا موفقًا مباركًا من العاملين فيه، والشكر مع الدعاء مرة أخرى لهم، ولمن نشر وأعان وساند هذه الأعمال المباركة الخالدة النافعة.
الرياض- الخميس 12 من شهرِ شوال عام 1446
10 من شهر إبريل عام 2025م
