في مثل هذا اليوم قبل مئة عام إلّا أربع سنوات، أي في السابع من شهر رمضان عام 1350، نشرت صحيفة أم القرى، نص الأمر الملكي الذي أصدره الملك عبدالعزيز -رحمه الله- والقاضي بإنشاء مجلس الوكلاء وتحديد نظامه. هذا المجلس التنفيذي الأعلى في وقته، تكون بموجب اقتراح من لجنة التفتيش والإصلاح، وهي اللجنة التي تكونت بأمر من الملك في غرة المحرم قبل مئة عام أي عام 1346=يوليو 1927م، وترأسها حافظ وهبة، وأعضاؤها هم: عبدالرحمن القصيبي، والشريف شرف عدنان، ومحمد صالح نصيف، ويوسف قطان، وصالح شطا، وسفيان باناجة، وفؤاد حمزة، ويتركز عمل هذه اللجنة حسب اسمها على قسمين: التفتيش الميداني، واقتراح ما يرونه للإصلاح.
عقدت هذه اللجنة اجتماعها الأول في العاشر من المحرم تلك السنة، ولم تتوان في العمل الميداني، وزيارة الأجهزة الحكومية، والاستماع لأصحاب الرأي، وبعد تسعة أشهر أرسلت ما تراه للملك عبدالعزيز، وفيه مقترحات تخص قواعد نظام الشرطة، ومجلس الشورى، وتأليف مجلس المعارف، وإنشاء مجلس تنفيذي يساعد النائب العام وينسق العمل الحكومي بين دوائر مختلفة. وقد أثنى الملك في كلمته الافتتاحية لجلسات مجلس الشورى عام (1346=1927م) على هذه اللجنة وعملها، وهي التي كانت معنية حسب بيان النيابة العامة “بإقرار ماثبت بالتجربة صلاحه وإصلاح ماتدعو الحال صلاحه”.
أما لو رجعنا إلى التاريخ بالتسلسل الزمني، فسنجد أن الملك المؤسس حين ضم الحجاز إلى ملكه عام (1344=1925م)، شرع من فوره بتنظيم العمل الديني والقضائي، والعمل التنظيمي والتشريعي، والعمل التنفيذي واليومي، مستفيدًا من الموجود في الحجاز آنذاك. ومنذ صدور التعليمات الأساسية للحكم في 21 من شهر صفر عام 1345= 31 من شهر أغسطس عام 1926م استمرت الحكومة سائرة في أعمالها بناء على هذه التعليمات الأساسية، لكنها محصورة بيد النائب العام لمدة خمس سنوات حتى صدر نظام الوكلاء الذي أحدث تعديلات وإضافات كثيرة في جهاز الإدارة.
ففي تاريخ 28 من شهر جمادى الآخرة عام 1350 أصدر الملك عبدالعزيز أمرًا يتكوين مجلس الوكلاء، ثمّ أصدر الملك نظام هذا المجلس في 19 من شهر شعبان عام 1350 = 29 من شهر ديسمبر عام 1931م، أي بعد أقل من شهرين على التكوين، مما يدل على الأهمية القصوى والاقتناع الكبير والاستعداد لهذا الإجراء التطويري. وقد نشر هذا النظام بتفصيلاته في صحيفة أم القرى في السابع من شهر رمضان المبارك عام1350 = الخامس عشر من شهر يناير عام 1932م. ويتكون النظام من سبع وعشرين مادة، تحدد مهام مجلس الوكلاء، وما يتبعه، ورئاسته، ومرجعيته.
أعضاء هذا المجلس في بدايته مع الأمير فيصل رئيس المجلس هم: وكيل الخارجية فؤاد حمزة، ووكيل المالية عبدالله السليمان، ونائب رئيس مجلس الشورى صالح شطا. ومن أعضائه الذين أضيفوا له: عبدالله الفضل رئيس ديوان النائب العام، وابراهيم الفضل معاون النائب العام، ثم بعد مدة أضيف حمد السليمان رئيس دوائر المالية، وانضم إلى عضوية المجلس في تواريخ لاحقة، كل من محمد عبدالرّواف قائمقام جدة، وإبراهيم السليمان العقيل رئيس ديوان النائب العام، ويوسف ياسين رئيس الشعبة السياسية بالديوان الملكي إذا كان موجودًا في الحجاز، والشريف شرف رضا، والأمير نايف الشعلان الذي سمي معاونًا للرئيس، علمًا أن منصب نائب رئيس المجلس مهمة أسندت للشعلان، وللشيخ عبدالله الفضل على اختلاف زمني، والفضل كان نائبًا لرئيس مجلس الشورى.
وفي عام 1355 أصدر الملك عبدالعزيز قرارًا بتكوين المجلس من مجلسين: الأول دائم وأعضاؤه هم: عبدالعزيز البراهيم، وعبدالله الفضل، وخالد أبو الوليد، ويجب أن يجتمع هذا المجلس يوميًا كل صباح. والثاني: مجلس يضم مع الأعضاء السابقين: عبدالله السليمان، وفؤاد حمزة، وحمد السليمان وكيل المالية، ويجب أن يجتمع كل ليلة ومعهم أعضاء المجلس الدائم، وينضم اليهم يوسف ياسين رئيس الشعبة السياسية إذا كان موجودًا في الحجاز.
طوال تاريخ مجلس الوكلاء، كان الأمير فيصل رئيسه الرسمي، وناب عنه خلال غيابه الأمراء محمد بن عبدالعزيز، وخالد بن عبدالعزيز، ومنصور بن عبدالعزيز، وعبدالله الفيصل، والشيخ عبدالله محمد الفضل، علمًا أن نيابة الأمراء ذكرها د.عبدالرحمن الشبيلي دون مرجع، بينما أشار د.أحمد الباز إلى أن عضوية مجلس الوكلاء لم تثبت لغير وزارتي الخارجية والمالية من الوزارات الخمس القائمة قبل تأسيس مجلس الوزراء.
وتولى مجلس الوكلاء في العاصمة المقدسة مسؤولية رسم السياسة العامة الداخلية للدولة، واستثنيت منه الشؤون العسكرية والعلاقات الخارجية، وأصبحت قراراته نافذة إلّا ما يحتاج لموافقة الملك بسبب طبيعة القرار، أو لاختلاف الآراء حوله. وكان المجلس يجتمع يوميًا ،ثم تحولت اجتماعاته إلى أسبوعية بعد تأليف لجنة تنفيذية اسمها: اللجنة الدائمة لمجلس الوكلاء، ومن أعمالها الاجتماع اليومي، ودراسة الموضوعات، وعرضها مع توصياتها على المجلس بهيئته الكاملة للبت فيها، أو لرفعها إلى أنظار الملك للتوجيه بشأنها، واللجنة العامة مكونة برئاسة عبدالله الفضل، وعضوية هاشم سلطان ومحمد بن سلطان، ومحمد السليمان التركي ابتداء من سنة 1352.
وبناء على المقترحات أصدر الملك تحديثًا لنظام المجلس عام 1356=1937م، ويقضي النظام الجديد بحضور رؤساء الأجهزة الحكومية التي لها قضايا معروضة، للمشاركة في مناقشتها، كما صدر أمر ملكي في عام 1359= 1939م، وفيه إضافات على النظام، وتفويض بعض الصلاحيات لرئيسه. وقد كان الملك عبدالعزيز يصف هذا المجلس في مكاتباته لنجله فيصل بأنه “الحكومة”، مما يجعله بحق الجهاز التنفيذي والإداري الأرفع تلكم الحقبة، والنواة الأساسية لمجلس الوزراء الموقر. ولأن رئاسة مجلس الوكلاء ورئاسة مجلس الشورى أسندتا للأمير فيصل، فقد زاد التوافق والتعاون بين المجلسي، ومصداق ذلك أعمالهما المشتركة والمهمة.
وإن من يطلع على فهارس الوثائق الوطنية لتلك المرحلة كما يقول د.الشبيلي، سيجد مئات القرارات الصادرة عن مجلسي الشورى والوكلاء في مختلف الموضوعات المتعلقة بالشؤون التنظيمية والتنفيذية، وربما سيذهل للكمّ الهائل من القوانين والنظم المتلاحقة التي صدرت إبان التأسيس، حتى مع من تواضع الخبرات القانونية، وقد حصر هذه الأنظمة د.إبراهيم العتيبي في كتابه. وكان من أعمال المجلس كذلك أن أقر ميزانيات بعض قطاعات الدولة، وتولى الفصل فيما يحدث من نزاعات بينها.
بينما ينفي د.أحمد الباز في بحثه المتين ما ذكره باحثون آخرون عن اختصاص مجلس الوكلاء مكانيًا بالحجاز فقط، ويثبت أعمالًا له في كل مناطق المملكة، وفي جميع الشؤون الداخلية. كما ينفي د.الباز ما ذكره الباحثون عن الصلاحيات المطلقة للمجلس؛ إذ أنه مرتبط بالملك ولا بد من موافقته. ويضيف الباز أن للمجلس صلاحيات واسعة في المملكة كلها، ومارس سلطة مناقشة الأنظمة والتعليمات وإقرارها وتفسيرها وتعديلها وإلغائها.
وتأكيدًا على أهمية هذا المجلس وأعماله، تخبرنا وثائق صحيفة أم القرى، العدد 440 بتاريخ 24 من شهر محرم عام1352-كما أورد د.الشبيلي في محاضرته- أن مجلسي الشورى والوكلاء أصدرا في 16 من شهر محرم عام 1352= 11 من شهر مايو عام 1933م قراراً مشتركاً بمبايعة الأمير سعود ولياً للعهد، والموقعون على القرار هم: الأمير فيصل رئيس مجلس الوكلاء ورئيس مجلس الشورى، والشيخ عبدالله بن حسن آل الشيخ رئيس القضاة، ومحمد المزروقي عضو هيئة التدقيقات، وأحمد قاري قاضي مكة المكرمة، وأعضاء مجلس الوكلاء ومجلس الشورى، وهم: يوسف ياسين، فؤاد حمزة، عبدالله السليمان، عبدالله محمد الفضل، صالح شطا، محمد شرف رضا، عبدالله الشيبي، عبدالوهاب نائب الحرم، محمد مغيربي أبوفتيح، عبدالوهاب عطار، أحمد إبراهيم الغزاوي، عبدالله الجفالي، وحسين باسلامة.
أما التطوير الأوسع والأهم لمجلس الوكلاء فهو القرار الذي اتخذه الملك عبدالعزيز قبل مدة قصيرة من وفاته، حينما أمر في غرة شهر صفر عام 1373= 09 أكتوبر عام 1953م بإنشاء مجلس الوزراء برئاسة ولي العهد الأمير سعود، لكن المجلس لم يجتمع إلّا بعد وفاة الملك. وبعد هذا القرار التاريخي تحول مكتب النائب العام منذ سنة 1374=1954م إلى ديوان لرئيس مجلس الوزراء، وأصبح إبراهيم السليمان العقيل أول رئيس له بعد سنوات أمضاها رئيسًا لديوان النائب العام، وعضوًا في مجلس الوكلاء.
إن تاريخ هذا المجلس القديم لجدير كما ذكر بعض الباحثين الكرام بالدراسة التفصيلية من خلال الوثائق الكثيرة الخاصة به المحفوظة في وزارة الداخلية، ومعهد الإدارة، ومركز المحفوظات والوثائق. ومن نسبة الفضل لأهله أشير إلى أني رجعت لعدة كتب وأبحاث ومحاضرات قبل كتابة هذا المقال، وهي:
- تطوّر الحكم والإدارة في المملكة العربية السعودية، محمد توفيق صادق، معهد الإدارة العامة بالرياض 1385= 1965م.
- تنظيمات الدولة في عهد الملك عبدالعزيز، د.إبراهيم عويّض العتيبي، الصادر عن جامعة الملك سعود عام 1419=1999.
- مجلس الوكلاء في عهد الملك عبدالعزيز، د.أحمد بن عبدالله ابن باز، مجلة معهد الإدارة العامة، س 40، ع 1، محرم 1421= أبريل 2000م.
- مجلس الوكلاء في مكة المكرمة، د.عبدالرحمن الشبيلي، نادي جدة الأدبي الثقافي، 1432=2011م.
ولم أستطع الوصول للمراجع الأخرى التي أشار لها الباز في بحثه، علمًا أن بحث الباز، ومحاضرة الشبيلي، هما الأغزر مادة، ويليهما كتاب العتيبي، وفي كل خير وبركة.
هذا جزء من تاريخنا التنظيمي والإداري، وهو قسم مهم لأهمية التاريخ وعبقه، وحتى نذكر البناة الأوائل، وندعو لهم بالرحمة والغفران، ونستفيد من التجارب الحسنة التي مضت بما فيها من مشاركة واسعة، وجهد عظيم، وإخلاص كبير. وعسى أن ينهض باحث كما تمنى السابقون لجمع وثائق مجلس وكلائنا، وتصنيفها، ثم دراستها، واستخلاص النتائج، وسنكون له من جملة الشاكرين الذاكرين مع التاريخ وعامة المستفيدين.
الرياض- الجمعة 07 من شهرِ رمضان المبارك عام 1446
07 من شهر مارس عام 2025م