ماذا بعدَ اندحارِ الحوثيين؟
تتواردُ أنباءٌ وتصريحاتٌ سارَّةٌ عنْ تطهيرِ البلادِ منْ رجسِ الرَّوافضِ الحوثيين؛ ممَّا يستوجبُ حمدَ اللهِ وشكرَه بالقولِ والفعلِ والعمل. ويجدرُ بنا ألاَّ نعتبرَ المسألةَ الحوثيةَ مجرَّدَ فتنةٍ عابرةٍ أخمدَها الأبطالُ المجاهدونَ منْ رجالاتِنا وجنودِنا، فلها متعلِّقاتٌ مستقبليةٌ لا يتجاوزُها صاحبُ القرارِ دونَ وقوفٍ ومشاورةٍ وإحداثِ ما يلزمُ منْ ترتيباتٍ بشأنِها، وليسَ ذلكَ محصوراً بالسُّعوديةِ واليمنِ ودولِ الخليج؛ بيدَ أنَّهم بهِ أولى منْ غيرِهم.
فممَّا ينبغي إعادةُ النَّظرِ فيهِ العلاقةُ غيرُ المتكافئةِ معْ الجارِ الفارسي المتربِّصِ بنا، والذي تجاوزتْ شرورهُ البحارَ والجزرَ والأطرافَ إلى التَّهديدِ الدَّاخلي بواسطةِ أتباعِ حوزاتهِ ومذهبهِ الضَّال؛ إضافةً إلى اتِّخاذهِ البلدانَ القريبةَ منهُ وسيلةً لمساومةِ الدُّولِ العظمى، وإنَّ الحكمةَ السياسيةَ تقتضي الاستعدادَ لهذا الغولِ على المدى القريب، وعلى المدى البعيدِ بتدابيرَ وقائيةٍ وعلاجية.
ومنْ الاستعدادِ تقويةُ الجيوش، وزيادةُ عددِها، وتكثيفُ الوجودِ العسكري في البِّحار، وحمايةُ الحدودِ البريةِ ومراقبتُها، وبناءُ علاقاتٍ وثيقةٍ معْ المعارضينَ الإيرانيينَ والحركاتِ الانفصالية، والضَّبطُ الأمنيُ لأتباعِ المذاهبِ الباطنيةِ في الدَّاخل، وتوقيعُ اتِّفاقياتِ الدِّفاعِ المشتركِ مع البلدانِ الإسلاميةِ الكبرى، وحلُّ جميعِ الإشكالاتِ الحدوديةِ وغيرِها حتى لا تظلَّ حجرَ عثرةٍ أمامَ وحدةِ المواقف، وهذهِ بدهياتٌ يجبُ على كلِّ ضعيفٍ أنْ يفعلَها مادامَ يواجهُ وحشاً دموياً؛ ومعْ ذلكَ فأهلُ الخليجِ يتعجَّبونَ منْ كثرةِ خلافِ بلدانِهم التي تتماثلُ في كثيرٍ منْ أحوالِها وتحيطُ بِها نفسُ الأخطار!
ويبرزُ تأهيلُ اليمنِ مدنياً وعسكرياً كخيارٍ لا مهربَ أمامَ جيرانهِ الأغنياء منه، ومنْ الضَّرورةِ بمكانٍ العنايةُ بالدَّعوةِ إلى اللهِ ونشرِ السنَّةِ في هذا القطرِ العزيز؛ خصوصاً أنَّه عرضةٌ لانتشارِ دعوةِ التَّشَّيعِ في أوساطِ الزَّيدية. ويصدقُ هذا الرّأيُ على باقي الدِّيارِ بمقاومةِ دعواتِ اعتناقِ المذهبِ الجعفري التي قدْ نعتقدُ أنَّها ليستْ ذاتَ بال! وقدْ اصطلى بنيرانِها واختنقَ بدخانِها أهلُنا في بلادٍ كثيرة، وممَّا أثارَ استغرابي أنَّ أكثرَ الرَّسائلِ التي وردتني بعدَ نشرِ مقالتي “نظرات في الفتنة الحوثية”، كانتْ منْ المغربِ العربي حيثُ يدعونَ فيها للسُّعوديةِ بالنَّصرِ ويستغيثونَ بإخوانِهم لانقاذهم منْ العبثِ الإيراني، ومنْ الحكمةِ مساندةُ الدَّعواتِ السنّيةِ داخلَ المجتمعاتِ الشّيعيةِ؛ والإفادةُ منْ التَّجارِبِ النَّاجحةِ في هدايةِ الشّيعة.
ومنْ الإصلاحِ الضَّروري الالتفاتُ للإعلامِ الموجَّه؛ فقدْ باتتْ الحاجةُ ملِّحةً لقنواتٍ عربيةٍ وأخرى فارسيةٍ هادئةٍ هادفة، لتحاورَ عامَّةَ الشّيعة، وتزيلَ الغشاوةَ عنْ شبابِهم التَّواقِ للحقيقة، وتوضِّحَ موقفَ أهلِ السنَّةِ والجماعةِ منْ آلِ البيتِ -رضوانُ اللهِ عليهم- ومنْ الأحداثِ التَّاريخية، على أنْ يكونَ الخطابُ مراعياً للجوانبِ العلميةِ والعقليةِ والعاطفية، وما أجملَ الإفادةَ منْ التَّقنياتِ الحديثةِ لرَّدِ هؤلاءِ المخدوعينَ إلى جادَّةِ الصَّواب. ومنْ الإصلاحِ الإعلامي المنشودِ تصحيحُ وضعِ وسائلِ الإعلامِ المحلية، فقدْ كانتْ ما بينَ مخدِّرةٍ غافلةٍ أوْ موهمةٍ خادعة، ولا خيرَ في إعلامٍ شأنهُ إمّا غفلةٌ أوْ خداع؛ فلمْ يكنْ الخطرُ الشّيعيُ الحقيقيُ مطروقاً في صحفِنا وقنواتِنا المتسَّلطةِ على الصَّالحينَ والمسيئةِ للمناهجِ والمناشطِ والمجتمعِ والمرأة، فمتى تمتَّدُ اليدُ الحصيفةُ لإزالةِ البخسِ الإعلامي كما أزالتْ اليدُ القويةُ النَّجسَ الرَّافضي؟
ولجنودِنا البواسلِ الذينَ استُشهدوا في الحربِ-نحسبهم كذلك-حقٌّ في أعناقِنا تجاههَم بالدُّعاءِ والمسامحة، ونحوَ عوائلِهم بالرِّعايةِ والحمايةِ منْ غوائلِ الحاجةِ والعوز، ومنْ الوفاءِ سدادُ ديونِهم، ومنحُ المساكنِِ الملائمةِ لعقبِهم، وجعلُهم شفعاءَ لذويهم في الدُّنيا كما الشهيدُ شفيعٌ لأهلِه عندَ اللهِ في الآخرة. وللجرحى واجبُ العلاجِ والمتابعةِ حتى يعودَ الجريحُ لأسرته، وللأسيرِ بذلُ الفداءِ والعوضِ حتى يقفلَ سالما. وكمْ يخشى المواطنونَ المخلصونَ منْ استدراجِ البلادِ لأيِّ معاهدةٍ معْ المعتدين؛ لأنَّ عهدَهم لالتقاطِ الأنفاسِ قبلَ المعاودةِ مرَّةً أخرى!
وإنَّه ليحزننُا المواقفُ الرُّخوةُ لبعضِ الجماعاتِ الإسلاميةِ منْ إيرانَ الرَّافضيةِ وأتباعِها، ونتساءلُ متى تعي هذهِ الجماعاتُ أنَّ مذهبَ الرَّفضِ لا يلتقي معهم في الأصولِ وإنْ تنازلوا؟ فالتَّاريخُ يثبتُ لنا أنَّ هؤلاءِ القومَ لا يرقبونَ في مؤمنٍ قرباً ولا عهداً ولا شراكةً في وطنٍ فما دونَه، ويجبُ على العلماءِ مناقشةُ مواقفِ هذهِ الحركاتِ المتعاونةِ أوْ المتعاطفةِ وبيانُ الصَّواب لها، فإنْ فاءتْ وإلاَّ فالحقُّ أحقُّ بالإتِّباع، والبلاغُ أمانةٌ وعهدٌ غليظٌ قدْ أخذهُ اللهُ على الذينَ أوتوا العلم. وإذا أصرَّتْ الجماعاتُ الكبرى على تعاطفِها فمنْ الإنصافِ أنْ تقفَ ضدَّ العيثِ الباطني في لبنانَ والعراقِ وغيرِهما حقناً لدماءِ المسلمينَ وتغليباً للمصلحةِ، فاللهمَّ بصرّنا وإيِّاهم واهدِنا سواءَ السبيل.
وجرتْ العادةُ أنْ يعمَّ الفرحُ البلادَ كلَّها بنصرِ اللهِ وعونِه وتأييدِه ونعمِه المتوالية، فمنْ خيراتٍ توضع، وشرورٍ تُدفع، وأسرى يُطلقون، ومعتقلينَ يُفرجُ عنهم، وصالحينَ يُدنون، ومفسدينَ يُبعدون، ومعروفٍ يُنشر، ومنكراتٍ تُزال، وهذا دأَبُ الدُّولِ والحكَّام، وما أجملَه منْ فرحٍ حينَ يكونُ للهِ وكما يحبُّ –سبحانه- لنختمَ السنةَ بأوبةٍ وإصلاحٍ وإحسان.
أحمد بن عبد المحسن العسّاف-الرِّياض
الأربعاء غرَّةُ شهرِ ذي الحجَّةَ الحرامِ عام 1430
ahmadalassaf@gmail.com