شريعة وقانون عرض كتاب قراءة وكتابة

دليل سعودي لتقديم استشارة قانونية

دليل سعودي لتقديم استشارة قانونية

لأجل المستقبل، لأجل ما يراد في المستقبل من إنتاج، وشمول، واستدامة، وقدرة على التكيف، تجيء هذه الأدلة العملية الواضحة دون إسهاب ودون اقتضاب، وهي أدلة تصدر عن المركز الوطني للتنافسية “تيسير”. منها هذا الدليل بعنوان: تقديم الاستشارات القانونية، الواقع في خمس وعشرين صفحة حقيقة بأن يُقال فيها: كل الصيد في جوف الفرا، وقد قالت حذام فصدقوها. هذا الوصف يصدق على دليلنا حتى لو نصّ مدخله -تحرزًا- على أنه دليل إرشادي لا يغني عن الرجوع إلى الأنظمة واللوائح والقواعد والسياسات والإجراءات ذات الصلة.

الفئة المستهدفة من هذا الدليل وغيره من الأدلة المنشورة ضمن سلسلة متوالية في موقع منصة استطلاع هي الإدارات القانونية الحكومية. نِشأت منصة استطلاع بموجب قرار مجلس الوزراء الموقر القاضي بأن يؤسس المركز الوطني للتنافسية وحدة لدعم الأنظمة واللوائح وما في حكمها. من مهام هذه الوحدة كذلك إطلاق منصة إلكترونية لاستطلاع آراء العموم تماشيًا مع لوازم تحقيق رؤية المملكة (2030) التي تعلي من شأن المشاركة، والحوكمة، والشفافية، والبحث عن أفضل التطبيقات والممارسات.

يتكون الدليل من مقدمة ونطاق الدليل ثم طلب الاستشارة القانونية وبعد ذلك مراحل الدليل وهي ست مراحل، كتبت كل مرحلة بلون مختلف وإخراج حسن. إن جمال المظهر منهج محمود خاصة إذا اجتمع معه كمال المخبر، وهو ما توافر لهذا الدليل المختصر. جاء في المقدمة تحديد غاية الدليل بجلاء؛ إذ أنه في إطار مشروع تطوير أعمال الإدارات القانونية الحكومية صدر هذا الدليل الإرشادي لمساعدة الإدارات القانونية على تطوير أعمالها، وأدائها بدقة واتساق وفعالية.

سوف أسرد أدناه أهم الفوائد المختارة من الدليل ومراحله الست. هذه الاختيارات لا تعني الاكتفاء بها البتة، وهي عن الدليل لا تغني وهذا من نافلة القول؛ فالرجوع للدليل المختصر المترابط أولى لأخذ عبارته كاملة في سياقها. غاية ما يذهب إليه المقال الإشارة والتنبيه، ومن رام الارتواء فالمنهل العذب متاح بضغطة زر أو رمشة عين يفهمها الذكاء الاصطناعي أحيانًا. من فوائد الدليل:

  1. يتضمن هذا الدليل قائمة بالمهام وأفضل الممارسات التي ينبغي اتباعها عند تقديم الاستشارات القانونية.
  2. ‏يؤخذ بعين الاعتبار أن بعض المسائل محل الاستشارة قد تتطلب أدوات مختلفة لها طبيعة خاصة.
  3. ‏نطاق الدليل إعطاء رأيي قانوني بشأن واقعة محددة، أو إعطاء رأيي قانوني بشأن تفسير مجرد لنص أو نصوص قانونية.
  4. ‏طلب الاستشارة القانونية لا يكون فيه إبداء الرأي في مسائل فنية غير قانونية، ولا تقدير مدى ملائمة ممارسة جهة الإدارة لسلطتها التقديرية.
  5. ‏من فروض إعطاء رأي قانوني بشأن واقعة محددة:
  • أن تكون الواقعة محل نزاع قائم.
  • لا يتضمن هذا الدليل الجوانب المتعلقة بتمثيل الإدارة الحكومية أمام القضاء، ولهذا الجانب المهم دليل خاص سوف أستعرضه لاحقًا بحول المولى.
  • لا تتضمن الاستشارة تعليقًا على حكم قضائي أو نقده.
  • قد تكون الواقعة محل نزاع محتمل والهدف من طلب الرأي توقي النزاع ما أمكن.
  • من الافتراضات أن يكون سبب طلب الرأي بيان مدى نظامية الطلب أو التظلم المقدم للجهاز الحكومي وحق مقدمة فيما يطلبه.
  • يمكن أن تكون الواقعة محل طلب تقدمه الإدارة الحكومية الطالبة لإدارة أخرى.
  • قد تكون الواقعة محل تفاوض مع أحد الأشخاص بهدف معرفة مدى نظامية التسوية التفاوضية، وبدائل التفاوض إن أخفق.
  • ربما تكون الاستشارة بشأن صفقة محتملة للوقوف على قانونيتها والآثار القانونية لها هذا الدليل لا يتضمن عناصر صياغة العقد وأساليبه.
  • قد تتصل الواقعة بارتكاب أحد موظفي الجهاز الحكومي مخالفة لواجباته الوظيفية.
  1. من فروض إعطاء رأي فيه تفسير مجرد لنص قانوني أو لنصوص قانونية:
  • حصر النصوص النظامية ذات الصلة التي تحكم عملًا أو إجراء وبيان مدلولات هذه النصوص وكيفية تطبيقها.
  • بيان مدى أحقية الإدارة الحكومية في أمر معين وبيان سنده.
  • بيان متطلبات الامتثال والتوافق مع إطار نظامي جديد.
  • بيان الرأي القانوني بشأن الاستفسارات حول بعض النصوص النظامية التي ترد من منظمات دولية بهدف التحقق من توافق المملكة مع الالتزامات الدولية ذات الصلة.
  1. ‏ينبغي التحقق من أن يتضمن طلب الاستشارة القانونية:
  • بيانًا وافيًا للوقائع المطلوب استفتاء الإدارة القانونية بشأنها فليس من المقبول تقديم طلب استشارة بشأن واقعة افتراضية.
  • توضيح المسألة التي تثير أشكالًا يتطلب الاستشارة. ويجب أن تكون الأسئلة مباشرة وواضحة.
  • إذا كانت الاستشارة تتصل بطلب تفسير نص فيجب تحديد الهدف من التفسير.
  • إرفاق الوثائق التي تتصل بالواقعة.
  • تحديد الإطار الزمني لتقديم الاستشارة على أن يراعى فيه عمق المسألة ومستوى تعقيدها.
  1. ‏يراعى في إسناد العمل الاستشاري تخصص عضو الفريق في الموضوع وكفاءته وقدرته على الإنجاز.
  2. في حال أن الاستشارة تحتاج إلى تخصصات غير متاحة لدى الإدارة فيمكن إسنادها لمستشار خارجي لديه اختصاص وخبرة.

تبدأ مراحل هذا الدليل بالمرحلة الأولى عن الدراسة الأولية والتواصل مع مقدم الطلب عند الحاجة من أجل:

  1. ‏التحقق من كفاية الوثائق والمعلومات الملحقة بالطلب فإن كانت غير كافية فيمكن التواصل مع مقدم الطلب لاستجلاء الوقائع أو استيفاء الوثائق الناقصة.
  2. ‏التحقق من وضوح الأسئلة محل طلب الاستشارة وتحديدها والتواصل مع مقدم الطلب لأي استيضاح.
  3. ‏التأكد من خلو الاستشارة من أي مسائل غير قانونية تخرج عن مجال تخصص الإدارة القانونية.
  4. ‏التحقق من كفاية الإطار الزمني والتشاور مع مقدم الطلب إذا كان الإطار الزمني غير مناسب.

‏ثمّ تشرع المرحلة الثانية في إعداد الاستشارة القانونية حسب نوعها؛ فإذا كانت الاستشارة تتعلق بطلب الرأي بشأن واقعة فيجب:

  1. البدء بقراءة الأسئلة قبل قراءة الوقائع مما يعين على تحديد الوقائع المؤثرة في الرأي.
  2. ‏دراسة الوقائع وترتيبها زمنيًا وموضوعيًا والتركيز على الوقائع المؤثرة واستبعاد غيرها مما لا أثر له.
  3. ‏تجزئة الوقائع بما يسهل ترتيبها وفهمها.
  4. ‏تحديد الوقائع التي تشمل التصرفات القانونية والأعمال المادية والإجراءات الإدارية والقضائية.
  5. ‏فهم التصرف وأطرافه ومحله وسببه قبل تقييمه.
  6. ‏بحث آثار الواقعة والتزاماتها إذا كانت تتصل بواقعة مادية.
  7. ‏بحث العمل الذي جرى إذا كانت الواقعة تتصل بإجراء إداري أو قضائي، مع تحديد متخذ الإجراء واختصاصه، وآثار الإجراء القانونية.
  8. ‏تكييف الوقائع محل الدراسة بإعطاء وصف قانوني للواقعة المطروحة، ولا يكتفي الدارس بالتكييف الوارد في الطلب.

‏أما إذا كانت الاستشارة بخصوص تفسير مجرد للنظام فيجب:

  1. ‏تحديد النصوص القانونية محل الطلب.
  2. ‏تحديد موضوع النص وأحكامه.
  3. ‏تحديد الإشكالات التي تعوق فهم النص وتطبيقه مثل الغموض أو التناقض.

‏عقب ذلك نصل إلى المرحلة الثالثة للبحث عن المصادر الضرورية لإعداد الاستشارة القانونية. تتمثل هذه المصادر في الآتي:

  1. ‏الاستشارات السابقة المتصلة بموضوع مشابه أو قريب من الموضوع محل طلب الاستشارة. في حال وجودها تكون هي المصدر الأساسي لبناء الاستشارة المطلوبة خاصة إذا كان الموضوع الجديد مطابق تمامًا للاستشارة السابقة. الهدف من ذلك تأكيد اتساق عمل الإدارة والمبادئ التي استقرت لديها. إذا وجدت عناصر اختلاف مؤثرة فيجب الاعتناء بها حتى لو بدت أنها قليلة الأهمية. يمكن الإفادة من الاستشارة السابقة بالقدر الذي تشترك فيه مع الواقعة الراهنة. من المهم في كل الأحوال التحقق من حال النصوص النظامية التي بنيت عليها الاستشارة السابقة.
  2. الأطر النظامية ذات الصلة بالواقعة.
  3. المبادئ القضائية ذات الصلة بموضوع الاستشارة.
  4. ‏المراجع الفقهية والقانونية.
  5. ‏إذا كانت الاستشارة تتصل بواقعة ذات بعد دولي فينبغي الوقوف على الاتفاقيات الدولية ذات الصلة ومبادئ القانون الدولي من مصادر مختلفة.
  6. ‏إذا كانت الاستشارة تتصل بقانون أجنبي فينبغي البحث في المصادر التشريعية المتعلقة بهذا القانون وكذلك التفسيرات التشريعية والقضائية والفقهية ذات الصلة مع فهم السياق القانوني للبلد الأجنبي.
  7. إذا كان الأمر على درجة من الأهمية والعمق فيمكن اقتراح التعاقد مع خبير متخصص في القانون الأجنبي.

‏وحينها نصل إلى المرحلة الرابعة المختصة بتحرير الرأي القانوني؛ فإذا كانت الاستشارة بخصوص واقعة معينة فإن الرأي المحرر يتضمن:

  1. ‏مقدمة يشار فيها إلى الطلب وما تضمنه من أسئلة مع تحديد أهم محاور الاستشارة.
  2. ‏تلخيص الوقائع المرتبطة بالطلب وسرد كل ما ورد في طلب الاستشارة مع ذكر أهم المستندات والوثائق التي ألحقت بطلب الاستشارة.
  3. ‏بيان النصوص القانونية المنطبقة على مجال الاستشارة ولا يكون الاستشهاد بالنص القانوني بمعزل عن النصوص الأخرى التي تؤثر عليه وتحدد نطاقه وتوجه تفسيره.
  4. ‏تفسير النصوص القانونية وتطبيقها على الواقعة بصرف النصوص إلى معناها الظاهر. إذا كان النص غامضًا أو سكت عن بيان بعض الأمور أو فيه تناقض فيجب تفسير النص لتحديد مدى انطباقه على الواقعة وكيفية التطبيق. يمكن الرجوع للتفسيرات الرسمية التشريعية والقضائية أو استعمال طرق التفسير المألوفة.
  5. ‏كتابة خلاصة الرأي القانوني ولا تعني فقط بيان الموقف القانوني من حيث الشرعية أو اتفاقها مع القانون أو دخولها في الولاية والاختصاص، بل بيان الآثار القانونية المختلفة والمحتملة، وإضافة توصيات.

‏وإذا كانت الاستشارة بخصوص تفسير نصوص سيكون تحريرها كما يلي:

  1. ‏مقدمة فيها إشارة إلى الطلب وما تضمنه من أسئلة.
  2. تحديد النصوص القانونية محل التفسير وما يرتبط بها من نصوص أخرى.
  3. ‏تحليل مضمون النصوص محل الرأي القانوني دون إغفال الترابط بين النصوص. من الأمور المهمة ضبط فهم نطاق تطبيق القاعدة القانونية؛ فإن معرفة حدود تطبيق النص بمختلف أبعادها تعطي مزيدًا من الانضباط في الفهم.
  4. ‏تفسير النصوص الغامضة ويجب تفسيرها باستخدام طرق التفسير المعتمدة على المصادر التشريعية والقضائية والفقهية.
  5. ‏إذا كان هناك مظنة تعارض بين أكثر من نص في نظام أو لائحة فتراعى قواعد التفسير المتعلقة بحل إشكالات التعارض مثل: التشريع اللاحق ينسخ السابق إذا تساويا في القوة، والنص الخاص يقيد العام، ومراعاة التدرج في الأطر النظامية عند التفسير.
  6. ‏كتابة خلاصة الرأي وفيها يعرض بإيجاز غير مخل خلاصة الجواب عن السؤال المطروح.

‏وأضاف الدليل اعتبارات ينبغي مراعاتها في تحرير الرأي القانوني هي:

  • ‏الموازنة بين استخدام لغة قانونية بالغة الرصانة والتخصص، وبين المبالغة في التوضيح بما يجعل نص الاستشارة هشًا ضعيفًا حتى لو كانت الاستشارة تخاطب أشخاصًا غير مختصين بالقانون. في حال استخدام مصطلحات ينبغي شرحها.
  • ‏مراعاة التسلسل في الرأي القانوني المطروح فالمسؤولية تسبق بحث التعويض المناسب عن الضرر.
  • ‏تعتمد مصداقية الرأي القانوني اعتمادًا كبيرًا على كتابة المصادر والمراجع التي استند إليها.
  • ‏لغة الاستشارة القانونية وأسلوبها تختلف عن مذكرات المرافعة التي تقوم على المحاجة الإقناع، فالاستشارة تعرض الرأي بموضوعية وتجرد ووضوح.

وتعتني المرحلة الخامسة بمراجعة الاستشارة القانونية واعتمادها وإرسالها، وفيها تحال الاستشارة للمراجعة الداخلية من أحد أعضاء الإدارة القانونية؛ فإذا اتفق المراجع مع المعدّ ترسل الاستشارة إلى الرئيس كي يبعثها للإدارة طالبة الاستشارة. أما إذا اختلف اجتهاد المراجع مع رأي المعد؛ فتعرض الاستشارة على فريق العمل بالإدارة القانونية للنقاش وترجيح أحد الآراء، ثم تراجع الاستشارة وتعدل بناء على ذلك. من الأهمية العناية بالتدقيق اللغوي والطباعي.

‏آخر المراحل هي المرحلة السادسة عن حفظ الاستشارة في قاعدة بيانات الاستشارات القانونية، ويتم الحفظ بأرشفة الاستشارات إلكترونيًا، ووضع  كلمات مفتاحية تيسر الوصول إلى الاستشارة، أو تصنيفها بناء على معايير هي: الوقائع المحددة أو النصوص المفسرة، أو بناء على الادارة طالبة الاستشارة، أو بحسب موضوع الاستشارة، أو بحسب الأنظمة ذات الصلة. وينبغي مراجعة وتحديث الأرشيف دوريًا للتحقق من انتفاء وجود استشارات أو آراء متعارضة. هذا التحقق يحول دون لحوق أي شك بجودة العمل ومتانته؛ ذلك أن اكتشاف أي تناقض خاصة الجلي منه، يغمز من قيمة العمل، ويزري بالجهود المبذولة فيه.

الحقيقة أن هذا الدليل وإن كان موجهًا بالأساس إلى الأجهزة الحكومية، إلّا أنه يعطي مجموعة من الأسس والقواعد والتوجيهات التي تفيد كل من يكتب استشارة قانونية أو غيرها بالقياس عليها. الحقيقة أن هذه الأدلة الواضحة على اختصارها، العملية في مضمونها ومنطوقها، لمما يوجب علينا الشكر والتقدير للأسباب الباعثة لها، ولمن كان وراء إصدارها المتتابع من عقول وهمم ومراكز. الحقيقة أني سعيد حين يصل القارئ العزيز إلى هذا الموضوع ثمّ يبحث عن هذا الدليل وإخوانه، وكلهم من خير أرومة وأطيب شجرة.

أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض

ahmalassaf@

الاثنين 11 من شهر ربيع الآخر عام 1446

14 من شهر أكتوبر عام 2024م

Please follow and like us:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)