لغة القانون في التشريع والإفتاء
لم أغاضب أحدًا هذه المرة، وإنما سعدت بالتفاعل فيما كتبته عن لغة القانون واللسانيات القانونية؛ ولذلك يممت اهتمامي القرائي صوب مادة أخرى شبيهة، عنوانها: مهارات استخدام اللغة القانونية في مجالي التشريع والإفتاء القانوني، كتبها المستشار الدكتور عاطف سعدي محمد علي، المستشار بهيئة التشريع والإفتاء القانوني البحرينية، ونائب رئيس مجلس الدولة المصري. وقد نشر هذا البحث في العدد الثالث من المجلة القانونية الصادرة عن هيئة التشريع والإفتاء القانوني في البحرين عام (1436=2015م)، ومن الطبيعي أن تقتصر أمثلة هذا البحث وتطبيقاته على مصر والبحرين.
يتكون هذا البحث من فصل تمهيدي عن لغة القانون والصياغة القانونية، وفيه فصلان الأول منهما عن استخدام اللغة القانونية في مجال الصياغة التشريعية، والفصل الثاني حول استخدام اللغة القانونية في مجال الإفتاء القانونية، ثم بعد ذلك الخاتمة والتوصيات فالمراجع التي تبلغ ثلاثين مرجعًا تقريبًا، ويقع هذا البحث في (43) صفحة توجد في المجلة بين صفحتي (111-152)، وأتصور أن موضوع الفتوى القانونية والتفسير يحتاج لعناية عربية تشبه العناية بموضوعات الصياغة التي تنامت مؤخرًا، والحمدلله. ومما اقتبسته من البحث مختصرًا:
- أصبح القانون علمًا له لغته الخاصة، وتشتمل هذه اللغة على مصطلحات ينفرد بها هذا العلم.
- من المنظور اللغوي التطبيقي يقسم البعض لغة القانون إلى ثلاث لغات فردية هي: لغة التشريع، ولغة القضاء، ولغة المحاماة.
- يمكن رد لغة القانون إلى نوعين رئيسيين هما: لغة الصياغة القانونية، واللغة القانونية التحليلية.
- تعبر لغة التشريع عن المضمون التشريعي الذي يصاغ في صورة نصوص تهدف إلى تحقيق مصلحة الجماعة وهو ما يعرف اصطلاحًا بالصياغة القانونية للتشريعات.
- تعبر اللغة القانونية التحليلية عن العملية التطبيقية للقانون، ويدخل في نطاقها لغة القضاء، ولغة المحاماة، ولغة الإفتاء.
- لغة الإفتاء عبارة عن نتاج عملية عقلية منطقية يُتحرى من خلالها حقيقة الواقع بغية الوصول إلى القول الفصل في الموضوع المطروح عليه.
- تدخل ممارسة مهمة الإفتاء القانوني ضمن المجال التطبيقي للقانون ولها ما يميزها على نحو يستحق بحثها على استقلال وهو باب من التأليف النادر عربيًا.
- من المناسب التصدي لهذا النوع من الدراسة للكشف عن مهارات استخدام لغة القانون في مجالي التشريع والإفتاء القانوني، ولمحاولة سد النقص الذي تعاني منه المكتبة العربية لاسيما في مجال الإفتاء.
- يجب أن تتسم لغة القانون بالوضوح والدقة والصراحة، ويقصد بلغة القانون لغة علم القانون.
- هناك علاقة بين لغة القانون واللغة العادية؛ فقد يتطابق المدلول اللغوي مع المدلول الاصطلاحي للقانون، وقد يكون المصطلح القانوني أوسع مدلولًا منه في اللغة، وقد يكون المصطلح القانوني أضيق مدلولًا منه في اللغة، وقد يكون للمصطلح القانوني مدلول مغاير للمعنى اللغوي، وقد يختلف المدلول الاصطلاحي للفظ واحد من نص إلى آخر في القانون، وقد يعرّف القانون بعض المصطلحات التي لا وجود لها على الإطلاق في اللغة.
- يُقصد باللغة القانونية التحليلية اللغة التي تنبني على التحليل القانوني، وتعرض وقائع قضية معينة، وتحدد الأسانيد القانونية ذات الصلة التي تدعم المسألة القانونية محل البحث، وتستشهد بالنصوص والآراء القانونية التي تساندها.
- التحليل القانوني هو آلية تفكير يتم عن طريقها تطبيق القانون على القضية محل البحث.
- ينقسم التحليل القانوني إلى قسمين: التحليل الموضوعي ويُقصد به الكتابة القانونية التي تبحث موضوعيًا في مسألة قانونية وتقدم الأسانيد التي تحكمها وتشرح وتطبق تلك الأسانيد للوصول إلى نتيجة ما، ويستخدم هذا النوع من التحليل في مجال القضاء والإفتاء.
- القسم الثاني هو التحليل القانوني الإقناعي، ويهدف إلى إقناع صانع القرار للفصل في نزاع على النحو الذي يؤيد وجهة النظر التي يتبناها القائم بهذا التحليل، ويستخدم المشتغلون بالمحاماة هذا النوع من التحليل.
- لغة الصياغة القانونية هي تلك اللغة التي تهتم بتحديد العلاقة بين الأطراف من خلال تكوين نص قانوني ملزم مثل القوانين واللوائح والقرارات والعقود، وتحدد التشريعات العلاقات بين المخاطبين بها، فيما يوضح العقد حقوق أطرافه والتزاماتهم.
- مفهوم الصياغة القانونية أوسع وأشمل من مفهوم الصياغة التشريعية؛ حيث يتسع مفهوم الصياغة القانونية لكافة أشكال الصياغة التي تعتمد على النماذج القانونية ذات القوالب الثابتة مثل القوانين واللوائح والعقود الوصايا والصكوك.
- مفهوم الصياغة التشريعية يقتصر على صياغة التشريعات سواء كانت رئيسية مثل الدستور والقوانين، أو فرعية مثل اللوائح والقرارات الصادرة عن السلطة التنفيذية، وتُعدّ الصياغة التشريعية من هذا المنظور الضيق جزءًا من الصياغة القانونية.
- ليس من قبيل المبالغة ما أكده الفقيه “ديكرسون” من أن “الصياغة التشريعية من أصعب أشكال الصياغة القانونية نظرًا لكون الصياغة التشريعية أكثر تعقيدًا من الناحية الفنية، وأكثر أهمية من الناحية الاجتماعية”.
- للقاعدة القانونية غاية تسعى إلى إدراكها، والصياغة التشريعية هي وسيلة إدراك تلك الغاية، وبقدر ما تكون هذه الوسيلة موفقة، يكتب للقاعدة القانونية النجاح في التطبيق؛ ولذا يكون لنص الصياغة التشريعية أهمية عند إعداد التشريعات.
- لا تقتصر العملية التشريعية على الصياغة الشكلية فقط، وإنما تمتد إلى جوهر القانون نفسه؛ إذ يجب على أعضاء السلطة التشريعية رصد الظاهرة الاجتماعية التي تستوجب التدخل التشريعي، وفهمها، وتحليلها، واقتراح ما يناسبها من حلول تشريعية.
- التشريع في جوهره مفاضلة بين الخيارات، وتوفيق بن المصالح المتعارضة واختيار لواحد من الحلول البديلة التي يطرحها الواقع لمعالجة مشكلة ما، وقد عبرت المحكمة الدستورية العليا في مصر عن هذا المعنى بقولها: “أن النصوص التشريعية لا تصاغ من الفراغ، ولا يجوز انتزاعها من واقعها، وهي بعد مصلحة اجتماعية يتعين أن تدور هذه النصوص في فلكها، ويفترض دومًا أن المشرع رقى إلى بلوغها متخذًا من صياغة النصوص التشريعية سبيلا لها، ومن ثم تكون المصلحة الاجتماعية غاية نهائية لكل نص تشريعي، وإطارًا لتحديد معناه”.
- الصياغة التشريعية عنصر مهم من عناصر تكوين القاعدة القانونية؛ فهي التي تخرجها إلى حيز الوجود، ويتوقف نجاح القاعدة على دقة الصياغة ومدى ملائمة أدواتها.
- من أصول الصياغة التشريعية تحديد الغرض من التشريع واحترام المبادئ القانونية المؤثرة على محتوياته، وعليه فلا بدّ من توافق التشريع المقترح مع القواعد الدستورية، وعدم معاودة إصدار تشريعات سبق أن صدر حكم بعدم دستوريتها، ومراجعة المعاهدات والاتفاقيات الدولية ذات الأثر الملزم، ومراعاة قواعد المساواة إبان إعداد التشريع.
- من أصول التشريع: مراعاة فكرة الأمن القانوني، ويقتضي وضع هذه الفكرة موضع التطبيق ضرورة التزام السلطات العامة قدرًا من الثبات النسبي للعلاقات القانونية، وحدًا أدنى من الاستقرار للمراكز القانونية المختلفة؛ بهدف إشاعة الأمن والطمأنينة بين أطراف العلاقات القانونية من أشخاص قانونية عامة وخاصة.
- يؤخذ في الاعتبار عند تحديد تاريخ العمل بالتشريع ما قد يقتضيه ذلك من تحديد مدة تفصل ما بين نشر القانون والعمل به، أو تطبيق التشريع بعد فوات مدة انتقالية.
- من الأصول المهمة حين التشريع مراعاة تحقيق الفاعلية لأحكام التشريع وأن يقترن الخروج على قواعده بجزاء، مع تجنب التوسع في تقرير الاستثناء من أحكامه.
- من القواعد الأساسية الحاكمة للصياغة التشريعية بصفة عامة أن تنطوي القاعدة التشريعية على عنصرين هما: الفرض والحكم، والفرض هو الصورة التي يفترضها المشرع بالنسبة إلى وقائع مجردة أو أشخاص غير معينين بالذات، أما الحكم فهو الحل القانوني لمواجهة الفرض العام.
- تقوم الصياغة الجيدة على قواعد أساسية مثل: دقة الصياغة، ومنطقيتها، والملاءمة مع الواقع، ويعبر عن ذلك الفقيه الفرنسي “سافيني” بقوله: القانون نتاج الأمة، ومنبعث منها، ووليد البيئة الاجتماعية المتطورة، وينشأ في ضمير الجماعة.
- يتحرى المشرع في بناء القاعدة التشريعية الصياغة التي توفق بين الدقة والمنطق، وبين الواقع، وذلك من خلال الجمع بين الصياغة الحاسمة والصياغة المرنة.
- المهارة في التشريع تقتضي اختيار الصياغة الملائمة لكل قاعدة قانونية؛ فالقواعد التي تحتاج أحكامها ثبات والاستقرار يناسب بها استخدام الصيحة الجامدة، أما القواعد التي تقتضي أحكامها الاقتراب من الواقع فتناسبها الصياغة المرنة.
- لطرق الصياغة أدوات مادية وذهنية، والمادية تظهر في أشكال وأرقام، والذهنية تبدو من خلال القرائن القانونية وأكثرها في نطاق الإثبات، ومن خلال الحيل والافتراضات القانونية وهي بعيدة عن الواقع ويجب الحد من استعمالها.
- لجودة التشريعات ضوابط كما ذكر الدكتور عبد الرزاق السنهوري عن مواصفات لغة التشريع :” “يجب أن تكون واضحة دقيقة، فاللغة المعقدة تجعل القانون مغلقًا، كما أن اللغة غير الدقيقة تجعل القانون مبهمًا. ويجب أن يكون للتشريع لغة فنية خاصة به”.
- ينبغي استخدام التعريفات فقط في حالتين هما: عندما يكون معنى المصطلح مهمًا لفهم وتطبيق التشريع المقترح، وإذا تكرر استخدام المصطلح في التشريع.
- يجب عند وضع التعريفات مراعاة المعاني التي خصصت لها العبارة المعرفة في القوانين القائمة، ولأهمية الاصطلاح القانوني يرى جانب من الفقه ضرورة الاهتمام بهذا الاصطلاح من حيث نشأته وتطوره، وربما يصنع فرعًا جديدًا من فروع علم القانون، يُطلق عليه علم الاصطلاح القانوني.
- يجب بناء الموضوعات التي يتم معالجتها في التشريع المقترح بطريقة تحترم منطقية العلاقة فيما بين القوانين القائمة وعلى رأسها الدستور وبين التشريع المقترح، مع ضبط حالات التداخل أو التعارض، وإجراء الدراسات المقارنة، ومراعاة متطلبات الترتيب التبويب.
- يبدأ الترتيب المحكم للنص القانوني المتكامل بالديباجة والتمهيد، ثم جمع ما تشابه أو ارتبط من أحكام تحت عنوان واحد أو قسم معين، مع مراعاة الانتقال من الحكم العام إلى الخاص، ومن الأحكام التمهيدية إلى الأحكام الجوهرية، ومن الأساسية إلى الفرعية، ومن الموضوعية إلى الإجرائية، والانتهاء بباب يخصص للأحكام الختامية والانتقالية.
- هناك أصول متعلقة بالقائم بعملية التشريع؛ إذ يجب أن يكون لديه مجموعة من المهارات مثل: الإلمام الجيد بمفردات اللغة ودلالاتها، فالألفاظ هي جسد النص القانوني، والمدلولات اللغوية لهذه الألفاظ هي روحه التي يستمد منها قوته وفعاليته. ومنها توافر المهارات القانونية من خلال الخبرة بالنصوص القانونية المختلفة، والفقه الشارح للنظريات القانونية، والأحكام القضائية المرتبطة به خاصة تلك التي تؤسس لمبادئ قانونية مستقرة.
- يجب أن يكون لدى المشرع قدر كبير من العلم والمعرفة في علم القانون وأصوله، وأن يكون عارفًا بتاريخ القانون وتطوره، مدركًا لأحوال الزمان والمكان والبيئة التي نشأت فيها القواعد القانونية.
- ثبات التشريع واستقراره لمدة طويلة أحد مظاهر جودته وقدرته على مواجهة الوقائع، ولا يتأتى الاستقرار والثبات التشريعي إلّا إذا كان لدى الصائغ قدرة ذهنية تمكنه من إعمال الخيال القانوني الذي يستطيع من خلاله تصور ما قد يحدث مستقبلًا.
- مجال عمل الصياغة التشريعية يبدو في سن القواعد الدستورية، وسن القوانين واللوائح، بدرجة رئيسة.
- يجب في صياغة القواعد الدستورية العناية بإيصال الأفكار التي أرادها المشرع الدستوري حتى تكون بمنأى عن الغموض والتعقيد، وعن التفصيلات الجزئية، وأن تكون واقعية نابعة من أحكام ومبادئ البيئة التي سيطبق فيها الدستور.
- يوجد اختلاف بين لغة الدستور ولغة التشريع؛ فلغة الدستور تعلو ولا تلجأ للتفصيل، وتقنع بوضع الكليات ذات الإجمال والعموم، بينما لغة التشريع أكثر تحديدًا لما تعبر عنه.
- يجب ألّا تأتي اللوائح التنفيذية بشروط لم يتضمنها القانون، وألّا تتضمن تعديلًا لأحكامه، أو إضافة حكم جديد لم يرد النص عليه في القانون.
- يضطلع الإفتاء القانوني بمهمة تفسير القاعدة القانونية تمهيدًا لتطبيقها على حالات فعلية تندرج تحت حكمها.
- لغة الإفتاء القانوني هي لغة قانونية تختلف عن لغة الصياغة التشريعية، وتخلص لبيان صحيح حكم القانون بشأن الحالة الفعلية المعروضة عليه.
- ذهب جانب من الفقه إلى أن الإفتاء القانوني هو محض رأي يكشف عن حكم القانون، وليس له قوة الإلزام القانوني.
- الافتاء هو الرأي القانوني الصادر من جهة مختصة قانونًا، ويتضمن استظهار وجه الرأي وصائب حكم القانون بشأن مسائل واقعة معروضة عليها.
- للإفتاء القانوني أثر كاشف يتمثل في أنه يكشف عن حقيقة واقعية ولا ينشئها.
- النص القانوني عبارة عن ألفاظ محددة يراد بها معنى معينًا، والتفسير هو الذي يكسب هذه الألفاظ الحركة والفاعلية، ولا جدال في أن النص القانوني له اتصال مباشر بزمان التطبيق وليس زمان الإصدار فقط؛ لأنه قد صدر ليحكم تصرفات المجتمع المتجددة والمتغيرة.
- ينبغي التحوط أثناء التفسير بحيث لا تحمل النصوص على غير مقاصدها، وألّا تفسر عباراتها بما يخرجها عن معناها، أو يلتوي به عن سياقها؛ كي لا يخرج الإفتاء القانوني عن طبيعته الكاشفة، ويتحول إلى رأي منشئ لحكم جديد لم يرد النص عليه.
- لابد أن يصدر الإفتاء عن الجهة المختصة بذلك التي يحددها الدستور أحيانًا.
- يجب أن ينصب الإفتاء على مسألة واقعية؛ فالإفتاء القانوني ليس مجرد بحث نظري، وإنما يقع على حال واقعة بعينها بما فيها من ملابسات، فمهمة الإفتاء القانوني استظهار صحيح حكم القانون بشأن واقعة معينة ثار بمناسبتها خلاف في الرأي القانوني.
- رأي جهة الإفتاء في الواقعة المعروضة عليها يقتصر على الواقعة نفسها ولا يتعداها إلى غيرها.
- استقر الرأي على عدم ملاءمة إبداء الرأي بخصوص طلب رأي غير مشفوع بحالة واقعية تثير مشكلة معينة غمّ فيها الرأي القانوني على جهة الإدارة.
- يتحدد نطاق الإفتاء القانوني موضوعيًا بالحالات التي تستنهض ولاية الجهة المختصة قانونًا بالتصدي لمهمة الإفتاء.
- مجلس الدولة في مصر هو أقدر الجهات على فهم طبيعة عمل الإدارة، فهو قاضيها من خلال القسم القضائي، ومستشارها من خلال القسم الاستشاري . (يقابله في المملكة ديوان المظالم).
- للإفتاء القانوني طبيعة فنية خاصة تلقي بظلالها على البنيان الهيكلي والفني للرأي القانوني.
- استخدام لغة قانونية في مجال الإفتاء يختلف إلى حد ما عن اللغة القانونية المستخدمة في مجال الصياغة التشريعية مع وجود تشابه من حيث الأصل.
- الطبيعة الفنية للإفتاء القانوني أنها لغة تحليلية، والمقصود بالتحليل قسمة الشيء إلى أجزائه من عناصر أو صفات أو خصائص، أو عزل بعضها عن بعض، ثمّ دراستها واحدًا واحدًا للوصول إلى معرفة العلاقة القائمة بينها وبين غيرها.
- في مجال اللغة القانونية يغدو التحليل القانوني بمثابة آلية التفكير التي يتم عن طريقها تطبيق القانون على الحال الواقعية محل البحث.
- يعتمد الإفتاء القانوني في إعداد الرأي على التحليل الموضوعي، ويقتضي اتباع أسلوب التحليل الموضوعي في إعداد الرأي القانوني التزام الحياد، وعدم التحيز لاتجاه ما، والبعد عن الآراء الشخصية والأهواء، والحذر من التعصب لرأي محدد مسبقًا.
- يغلب على الإفتاء القانوني النزعة التطبيقية البحتة؛ فتطبيق الأسانيد القانونية على الحالة الواقعية المطروحة يخرج بالإفتاء القانوني من الدائرة النظرية إلى مجال التطبيق.
- الإفتاء القانوني ذو طبيعية تطبيقية والنتيجة القانونية التي ينتهي إليها كاشفة لاستظهار صحيح حكم القانون على الحالة الواقعية التي تناولها الرأي القانوني.
- تقترب الطبيعة الفنية للإفتاء من الطبيعة الفنية للقضاء، حيث يعتمد القاضي على التحليل الموضوعي في صياغة الحكم القضائي، وهو عين ما يصنعه المفتي القانوني.
- يتسم الإفتاء القانوني بطبيعة فنية خالصة ينفرد بها عن بقية مجالات الصياغة القانونية، وهي طبيعة تمتزج بالتحليل الموضوعي، والنزعة التطبيقية الرامية لاستظهار وجه الرأي وصائب حكم القانون في المسألة المعروضة.
- يتولى القائم بعملية الإفتاء بناء الرأي القانوني وفق خطة مدروسة تتحدد عناصرها على أساسين أولهما: شكلي وهو البناء الهيكلي للرأي القانوني، وثانيهما موضوعي يتمثل في البناء الموضوعي لذلك الرأي، والغاية الوصول لحكم صائب في المسألة المعروضة.
- تأتي الفتوى القانونية على صورتين إحداهما صورة كتاب يتصدره بيان الموجه إليه هذا الكتاب، أو في صورة مذكرة بالرأي القانوني بشأن الواقعة المطروحة.
- أيًا كانت صورة الفتوى يجب أن تتضمن: بيان الموضوع محل طلب الرأي، بيان الواقعات محل طلب الرأي، إبراز التساؤل المطروح، الرد على التساؤل المطروح.
- يتضمن الرد على الحالة بالفتوى القانونية عرض النصوص القانونية الحاكمة للموضوع، واستخلاص مفادها في ضوء ما استقر عليه العمل فقهًا وقضاء وإفتاء، والإشارة إلى الفقه والقضاء والفتوى فيه تدعيم للفتوى الجديدة.
- تتضمن الفتوى القانونية كذلك تطبيق ما تم استخلاصه على الحالة الواقعة، ثمّ الخاتمة بخلاصة الرأي القانوني الذي خلصت إليه جهة الفتوى.
- تتشابه صياغة الفتوى مع صياغة الحكم القضائي باستثناء أن الأخير له عناصر شكلية لا مناص من الالتزام بها.
- يتعلق البناء الموضوعي للرأي القانوني بعنصر التسبيب، وهي الأسباب التي يبنى عليها الرأي.
- يتعين تشييد هذا البناء على منهج يتخذ من المنطق أساسًا، ومن قواعد التفسير وسيلة، ومن استظهار حكم القانون على الواقعة المطروحة غاية ونتيجة.
- يقصد بمنطقية الرأي القانوني أن يتبع القائم على إبداء هذا الرأي في فهمه للموضوع المطروح واستخلاص حقيقته خطوات ذهنية محددة تؤدي إلى نتائج أهمها إبداء الرأي القانوني على نحو صحيح.
- علم المنطق وثيق الصلة بتطبيق القانون باعتباره الأداة التي تمكن من تفسير القانون، وفهم الواقعة وتكييفها على نحو منضبط وصولًا لنتيجة صحيحة.
- تطبيق القانون ليست عملية آلية تتسم بالجمود، لكنها عملية فنية تقوم على عنصر الاستدلال المعتمد على النشاط الذهني في التكييف القانوني للواقعة، وتحليل معطيات النص المنطبق عليها، وفهم مضمونه ومعناه، ثم إجراء مقابلة بين الواقعة والنص من أجل الوصول إلى نتيجة نهائية تستظهر صحيح حكم القانون على الواقعة.
- التفسير عملية عقلية منطقية، وهو ليس مقصودًا لذاته، وإنما القصد منه فهم مضمون القاعدة القانونية، لإدراك الإرادة التشريعية إدراكًا تامًا.
- تبدو أهمية التفسير في كونه ضرورة مستمرة مهما كان التشريع كاملًا، ومهما كانت صياغته حسنة؛ فالتفسير عملية لازمة حتمًا لكل تطبيق للقانون.
- ينبغي عند إعداد الرأي القانوني الاستعانة بقواعد التفسير القانوني من أجل الوقوف على معنى النص القانوني وفهمه بغية التطبيق الأمثل والسليم.
- في التفسير القانوني يستفاد من عبارة النص، ومن المعنى الحرفي لها، وهو المعنى المتبادر للذهن بمجرد قراءة عباراته وألفاظه.
- استخلاص المعنى من ألفاظ النص لا يعني التقيد بها لفظًا لفظًا، بل ينبغي الأخذ بالمعنى المستفاد من النص في مجموع عباراته على ضوء قصد المشرع منه، فالعبرة بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني.
- إذا كان للفظ معنيان لغوي واصطلاحي، وجب الأخذ بالمعنى الاصطلاحي، وإذا تعددت المعاني الاصطلاحية للفظ واحد فيجب البحث عن قرينة تدل على المعنى الذي قصده المشرع.
- يستفاد معنى النص من مفهومه بالبحث في فحواه وروحه، وهذا يؤدي للتفسير الواسع، وهو جائز عند تفسير النصوص التي تقرر قواعد عامة، ولكنه غير جائز عند تفسير النصوص التي تقرر أحكامًا استثنائية.
- استخلاص معنى النص من مفهومه يتم عن طريق إشارة النص، أو عن طريق دلالته.
- المعنى المستفاد من إشارة النص هو الذي لا يظهر من عبارات النص وألفاظه، ولكنه يُعدُّ نتيجة حتمية لها، فعبارة النص لا تدل على المعنى وإنما تشير إليه بطريق اللزوم.
- المعنى المستفاد من دلالة النص هو الذي يُفهم من روح النص، ويكون ذلك بطريقين هما: الاستنتاج بواسطة القياس، أو بمفهوم المخالفة.
- على الإفتاء القانوني أن يدور في فلك الغاية التي ينشدها ولا يتخطى حدودها، فلا يتعدى تلك الغاية بتجريم لمباح، أو تقييد لمطلق، أو استحداث حكم جديد لم يرد عليه نص في القانون.
- للإفتاء القانوني إلزام أدبي مستمد من كونه الرأي الكاشف عن صائب حكم القانون، فتجد الجهة الإدارية نفسها مدفوعة لتطبيق مضمونه، خاصة أن منطق الرقابة يقتضي أن تكون أعمالها وتصرفاتها في إطار مبدأ المشروعية وفي إطار القانون، وخروجها عنهما يعرضها للمسؤولية.
- إذا وسد المشرع الاختصاص إلى جهة معينة بالإفتاء الملزم في أحوال معينة؛ فحينها يكون الإفتاء القانوني ملزمًا، وقد ساوت المحكمة الإدارية العليا في مصر بين الفتاوى القانونية والأحكام القضائية من حيث إلزام الجهات الإدارية بتنفيذها، وإعمال مقتضاها دون إبطاء أو التفاف.
- يعني مبدأ المشروعية احترام القانون من جانب الحاكم والمحكوم، فالقانون يجب أن يحكم الأفراد ليس في علاقاتهم ببعضهم فقط، وإنما في علاقتهم بهيئات الحكومة في الدولة، فالمشروعية صفة كل ما هو مطابق للقانون.
إن لغة القانون، والكتابة القانونية، لمن الأهمية بمكان، وهي لغة يجب أن يجتمع فيها الجزالة، مع الوضوح، والبيان جنبًا إلى جنب مع المنطق. وأتصور أن انصراف كليات الحقوق والقانون عن العناية بتقوية لغة طلبتها من الخطأ الظاهرة آثاره؛ خاصة مع ضعف مخرجات التعليم العام في هذا الباب، وشيوع لهجات عامية أو ناجمة عن مواقع التواصل والألعاب الإلكترونية، ولا ندري ما قد يفعله الذكاء الاصطناعي في هذا المجال الحيوي المؤثر، ومن المؤكد أن الفرصة مواتية لاستثمار سبل عديدة غايتها أن يصبح دارس القانون ضليعًا بلغته، عارفًا بها، متذوقًا لجمالها، مطلعًا على أسرارها، لكن ليس لدرجة ينافس بها سحبان وائل أو قس ساعدة، وإنما فقط للهروب من معرة مشابهة باقل وأمثاله ولو بأقل القليل من أوجه المماثلة!
أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض
الاثنين 17 من شهرِ رجب عام 1445
29 من شهر يناير عام 2024م