المرأةُ وعامُ النِزَالِ الكبير…!
ليسَ سراً حينَ نقولُ إنَّ المفسدينَ في السُّعوديةِ-حرسَها الله- يستعدُّونَ لدَّقِ آخرِ مسمارٍ في نَعْشِ تميُّزِ المرأةِ السُّعوديةِ وتفردِها؛ هذا التميزُ الذي جاءَ بعدَ فضلِ اللهِ أثراً مِنْ آثارِ الدعوةِ السَّلفيةِ الإصلاحيةِ المباركةِ، المتمثلةِ في عقيدةٍ صافيةٍ مِنْ البدعِ وسالمةٍ منْ تساهلِ المرجئةِ وتشدُّدِ الخوارج؛ إضافةً إلى علماءَ ربانينَ، وشعبٍ غيورٍ أبَّيٍ، وحكومةٍ تعلنُ التزامَها بالإسلامِ عقيدةً وشريعةً في نظامِ الحكمِ، وعلى لسانِ المسؤولينَ باختلافِ مستوياتهم. ومعْ ذلكَ كلِّه ففي هذهِ السنةِ لا تكادُ “المرأةُ” أنْ تغيبَ في كلِّ الشؤونِ منْ السِّياسةِ حتى الرِّياضةِ، وفي كلِّ مكانٍ منْ الحرمِ حتى الجو.
ولسنا في سياقِ التباكي أوْ حديثِ اليائسين؛ فَحَمَلةُ الرسالةِ لا يقعدونَ عنْ حملِها إلاَّ بالموت، وقدْ يكونُ مماتُهم طريقاً لنشرِ رسالتِهم، وبقائِها حيةً وذلكَ فضلُ اللهِ يؤتيهِ مَنْ يشاء. وإذا أردنَا أنْ نرصدَ السبُلَ التي سلكَها القومُ في حركتِهم التَّخريبيةِ؛ كي تستبينَ لنا سبيلُ المفسدينَ، ونستفيدَ منْ بعضِ تجاربِهم، فإنِّنَا نقفُ على معالمَ بارزةٍ منْ هذهِ الحربِ الضروسِ، التي ظلتْ مشتعلةً بينِ قوةٍ وضعفٍ لعدَّةِ عقودٍ خلَتْ؛ فمِنْ هذهِ المعالم:
أولاً: التَّخطيطُ القديمُ وطولُ النَّفس؛ ونضرعُ للهِ بأنْ يستفيدَ المستعجلونَ منْ الصَّالحينَ وأشباههِم منْ صبرِ أهلِ الغوايةِ؛ معْ كونهِم على باطلٍ لا حلاوةَ للصبرِ عليه.
ثانياً: الابتعادُ عنْ المصادمةِ والمواجهةِ؛ واستخدامُ الأسلوبِ الناعمِ ودونَه سُمٌّ زُعاف؛ فيا ليتَ المتهورينَ أنْ يكفوا أيديَهم، إذْ لا مكانَ لأعمالٍ غيرِ مدروسةٍ أوْ بلا فائدة.
ثالثاً: إخلاصُ بعضِ هؤلاءِ الماكرينَ للفكرةِ الخبيثةِ التي يحملُها ولوْ شابَ رأسُه، ووهنتْ عظامُه، وخطَّتْ أقدامُه أطرافَ قبرِه، بلْ إنَّ منهم مَنْ نشرَ السُّوءَ على النَّاسِ في سنِّ السِّتينِ وهوَ سنُّ الإعذارِ إلى اللهِ؛ نعوذُ باللهِ منْ الخذلان، وكمْ هو جميلٌ أنْ يستفيدَ صرعى الفتورِ مِنْ جَلَدِ الفجرة.
رابعاً: استهدفَ المرجفونَ المرأةَ مباشرةً؛ فخاطبُوها بكلِّ وسيلةٍ، وألقوا في خَلَدِهَا بذورَ الانعتاقِ مِنْ ولايةِ الرجلِ وقوامته؛ ولمْ يهملوا الرجلَ فكثَّفوا مناظرَ السُّفورِ والتَّحررِ في وجدانِه، وأمامَ ناظريهِ حتى استسلمَ أوْ كاد. وفي هذا درسٌ للمصلحينَ؛ لمخاطبةِ شرائحِ المجتمعِ بالطريقةِ التي تناسبُ المدعوينَ؛ حتى لا يخرجَ الخطابُ الدَّعويُ من المصلحين ويعودَ إليهم!
خامساً: استثمارُ كلِّ منفذٍ، ووسيلةٍ، وجهةٍ، لتمريرِ مخططاتِهم أوْ تبنِّيها، والرِّضا بأيِّ مكسبٍ وإنْ قَلّ؛ فالإعلامُ غالبُه ينطقُ بما يريدون؛ وبعضُ الأنظمةِ تجري في ركابِ شهواتِهم بلا كوابح؛ ولمْ تسلمْ المستشفياتُ منْ مكرِهم؛ فبُنيتْ على أنَّ الاختلاطَ هو الأساسُ وحاربوا “نسونتها” ([1]) إلى غير ذلك من أمثلةِ “ترسيم” بهتانِهم.
سادساً: الجرأةُ في اتخاذِ القراراتِ الصَّريحةِ المعلنةِ التي تخالفُ النِّظامَ الصَّريحَ المعلنَ للدَّولةِ؛ أوْ دفعُ المسؤولينَ إلى اتخاذِها وتحسينُها لهم؛ ومنْ ذلكَ قرارُ إلغاءِ شرطِ منعِ الاختلاطِ بينَ الجنسينِ في أماكنِ العملِ، واستبدالِه بجملةٍ طالمَا انتهكوها حتى بليت.
سابعاً: الاتِّكاءُ على شخصياتٍ نافذةٍ، والتَّتَرسُ خلفَ هذهِ الشَّخصياتِ، والإقدامُ على خطواتٍ جريئةٍ تحتَ حمايةِ أسمائِها؛ وبعضُ هذهِ الأسماءِ قدْ لا تُدركُ مغازيَ هذه الفئةِ التي يوصفُ أضرابُها خارجَ الحدودِ بالثَّوريةِ وعداءِ النُّظُمِ التقليدية؛ فواعجباه: كيفَ يسعى في جنونٍ مَنْ عَقَل؟!
ثامناً: الاستعانةُ بالخارجِ في صورةٍ منْ الخيانةِ تنتظرً سيفاً منْ الحقِّ ظاهراً أوْ القبضةَ الحديديةَ الغائبةَ عنهم؛ ومِنْ صورِ هذهِ الاستعانة:
- تهييجُ المنظماتِ والدولِ الغربيةِ على المملكةِ كما نراه في تقاريرِ هذهِ الجهاتِ المتعاقبةِ ومواقفِها مِنْ عضويةِ المملكةِ أوْ شراكتِها معها.
- استضافةُ بعضِ الشخصياتِ الحقوقيةِ العالميةِ لتنفيذِ أجندةِ هذهِ الفئةِ الضَّالة.
- تكريمُ نساءٍ سعودياتٍ في الخارجِ أوْ ترشيحهنَّ لمناصبَ دولية. ([2])
تاسعاً: مهاجمةُ كلِّ شيءٍ يدعو للفضيلة؛ فلمْ يوقروا العلماءَ كما في هجومِهم على الشيخِ العلاَّمةِ بَكْرِ أبو زيدٍ آلِ غيهبْ-برَّدَ اللهُ مَضْجِعَه- وعلى كتابهِ “حراسة الفضيلة”، ولمْ يحترموا نظاميةَ بعضِ الجهاتِ كهجومهِم الدوري على الحسبةِ ورجالِها.
عاشراً: السعيُ لإقصاءِ الرأي الشرعي عنْ مسائلِ المرأةِ، ومنعِ الحديثِ عنْ المرأةِ على منابرِ الجمعةِ الكبرى.
حاديَ عشر: توجيهُ حوادثِ الغلو والتفجيراتِ نحوَ خدمةِ المسعى التَّغريبي؛ بتحذيرِ النَّاسِ منْ الدَّاعياتِ والأنشطةِ الخيريةِ النِّسائية؛ وقدْ كتبتْ “كاتبةٌ” في صحيفةِ الرياضِ مقالاً بعنوانِ “نساء الغلو” اتهمتْ فيهِ المعلماتِ والدَّاعياتِ بالتكفيرِ؛ وقدْ نشرتْ أباطيلِها متحصنةً بمنعِ محاكمتِها في المحاكمِ الشَّرعية.
ثانيَ عشر: التَّدرجُ في كلِّ المراحلِ والحذقُ في عرضِ مطالبِهم؛ فهمْ يتباكونَ على عدمِ وجودِ “أقسام نسائية غير مختلطة” في بعضِ الدوائرِ الحكوميةِ، معْ أنَّهمْ رُعاةُ الاختلاطِ والتبرجِ والسفورِ في كثيرٍ منْ الجهاتِ التي قفزتْ على حواجزَ كثيرة؛ فما أمكرَهم واللهُ فوقَنا وفوقَهم.
وحين نذكرُ هذهِ المعالمَ، فنحنُ على يقينٍ أنَّ في عفةِ النِّساءِ، وغيرةِ الصَّالحينَ، وجهودِ المحتسبينَ، وفتاوى العلماءِ، ورفضِ عامِّةِ النَّاسِ، إضافةً إلى سلطانِ الحقِّ، وحرصِ ولاةِ الأمرِ وحكماءِ بلادنا على الضبطِ الأمني والاجتماعي، والاستقرارِ السياسي، ما يقفُ حاجزاً صلباً ضدَّ طفرةِ هؤلاءِ وهياجِهم، خاصةً أنَّهم اعتمدوا أخيراً على سياسةِ حرقِ المراحلِ؛ بغيةَ بلوغِ آخرِ المضمارِ، وهيَ سياسةٌ تُحرقُ الأوراقَ وتكشفُ المخبوءَ، وحينها يكونُ لقُطَّاعِ الطُرقِ جلادٌ لا يرحمْ، ولزنادقةِ العصرِ قصَّابٌ ينتظر.
أحمد بن عبد المحسن العسّاف-الرِّياض
الاثنين 22 من شهر ربيع الآخر عام 1429
ahmadalassaf@gmail.com
[1] إحدى الصحف المحلية الكبيرة لم تنشر خبر عزم وزارة الصحة على إقامة مستشفيات نسائية؛ وبعد أكثر من شهر من قرار الوزارة نشرت لقاءً في نصف صفحة مع رجل واحد يسفه فكرة المستشفيات النسائية؛ ثم نشرت بعد اللقاء بيوم واحد إعلاناً تجارياً عن مستشفى نسائية خالصة خاصة…!
[2] وهذا التكريمُ والترشيحُ قدْ يكونُ مقبولاً لو كانَ على أمرٍ يُفتخرُ بهِ معْ محافظةِ المرأةِ على حُسنِ تمثيلِ دينِها وبلادِها فليسَ كلُّ تكريمٍ وترشيحٍ مرفوضاً.