إدارة وتربية

البسملة والفاتحة وبهما نبدأ!

البسملة والفاتحة وبهما نبدأ!

‏نحن نؤمن بأن القرآن الكريم هو كلام الله العزيز الحكيم، وهو كتاب مبارك نزل به الروح الأمين على قلب محمد عليهما الصلاة والسلام، وفيه من الشفاء والانشراح ما يجده المرء على قدر علاقته بهذا الكتاب العزيز، وإيمانه به، وتدبره له سواءً أكان تاليًا له ومرتلًا لآياته، أم مستمعًا ومنصتًا لغيره من مهرة القراء الذين تنافس مشاهدات مقاطعهم المرئية والمسموعة غيرها من فتن الشهوات، حتى لقد شرقت وغربت، وانتشرت في السهل والجبل، وتداولها الناس على اختلاف قربهم أو بعدهم عن التدين، وليس هذا بعجيب؛ لأنهم يوقنون بأنه قول الله وكلامه، وهل أجلّ وأسمى من إذاعة كلام الله تعالى وعز سبحانه الواحد القهار؟

ومن لطيف ما يمكن إدراكه دون عناء أن هذا الكتاب العزيز قد افتتح بسورة الفاتحة القصيرة، ولا يفتتح أيّ أمر عزيز إلّا بشيء ذي بال ومنزلة عظيمة، وهذا يؤكد لنا مع دلائل أخرى على أهمية سورة الفاتحة وبركتها، ومن فضل الله علينا أن جعلها قصيرة، وركنًا في الصلاة يجب على كل مسلم تعلمها وضبطها لدرجة تقارب الاتقان، ولذلك فما أسعد القائمين على مشاريع تعليم الفاتحة لكبار السنّ وغيرهم، وهي فرصة لمن امتن الله عليه بحفظها متقنة أن يعلّموا غيرهم، وفرصة سانحة للأمهات والآباء بالمسابقة إلى تلقينها لأطفالهم؛ حتى يكونوا شركاء معهم في الحسنات، وفرصة للمبدعين في التقنية والذكاء الاصطناعي كي يستثمروا المهارة في التحفيظ والتصحيح، وما أيسر دروب الخير وأكثرها.

كما أنه ليس بعسير على القارئ أن يلاحظ أن سورة الفاتحة تبدأ بالبسملة، تمامًا مثلما تبدأ جميع سور القرآن الكريم -إلّا واحدة- بهذه الكلمة الجارية على اللسان بسلاسة، على خلاف بين العلماء في عدّها من آي السور والقرآن من عدمه. وأيًا كان فإن البسملة تستجلب الطمأنينة لقائلها، وتفيض عليه من راحة النفس، وانشراح البال، ورخاء الخاطر، ما يجده الموفقون المبسملون، وبها تزداد بركة الشيء الذي ينال بعد قولها ابتداء سواء حصّل بالحال أو بالمآل ولو بعد شهور عديدة.

أفبعد ذلك يشك أحد في بركة الفاتحة التي صارت في مقدمة هذا الكتاب الكريم المبارك وأول سوره على الإطلاق وأحد أركان الصلاة؟ وهل يجرؤ مسلم على إهمال اغتنام بركة البسملة المبتدئ بها في الفاتحة وبقية سور القرآن، وهي كلمة سهلة على اللسان في حروفها ونطقها، وميسرة للذكر كما هو شأن القرآن المجيد كله، فهل من مدكر؟ وهل من مستمسك بهذه الكلمة الابتدائية، وبهذه السورة القصيرة التي أصبحت فاتحة لكلام الرب الجليل سبحانه؟

فيا رعاكم الله: بسملوا مع كل شأن شريف، سواء من أمور الدنيا أو الآخرة، واطلبوا من ربكم الأجر والمثوبة والفوز ببركات البسملة، التي تحلّ معها الخيرات، والإنجازات، وترتاح بها النفوس، وتهرب منها الشياطين، ولك أن تحمد الله على كلمة واحدة وهبها لك، ويجفل منها هذا العالم الخفي الذي تنخلع من رهبته قلوب الجبابرة، بينما يطردهم ضعفة المؤمنين بكلمة واحدة هي بسم الله. وإن من لطيف أحوال البسملة الابتداء بها عند أيّ قراءة نافعة، ومع أيّ كتابة مفيدة، حتى لو لم تقيّد في أول الكتاب؛ فبسم الله دومًا نبدأ، ومما يلفت في التسمية استخدام اسمي الله “الرحمن الرحيم” فبهما نستفتح ونحن براء من الحول والطول والقوة، وفقراء إلى رحمته.

ويا أولياء الله: اقرؤوا الفاتحة دومًا، وإذا أقبل بعضكم على عسيرات الأمور فليجعل من تلاوة الفاتحة حرزًا حافظًا، وليتطلب المؤمن آثارها المباركة قبل الاختبارات، وعند المقابلات، ومع كل ما يُهاب أو يخشى منه الخطأ أو النسيان، وفي أي شأن تُرتجى معه المرابح والظفر ورفع الإنتاجية، أو يُخشى عليه من الفوات والخسارة، وأبشروا يا قوم بالتيسير والتسهيل والبركة، وبالتوفيق وحصول الخيرة التي لا يعلمها إلّا مولاكم اللطيف الخبير.

وإنه لمن الموافقات العلية البهية أن البسملة والفاتحة هما أول كلام معتبر يفتتح بهما الإنسان المسلم يومه في الغالب إن مستقبلًا انبلاج الفجر بصلاة ليل ووتر، أو سابقًا صلاة الفجر بركعتيه وهما خير من الدنيا وما فيها، أو بأداء صلاة الفجر ذاتها إن لم يتمكن من القيام وأداء الراتبة قبلها، وهذه لعمركم نعمة من الرب على عبادة تستوجب أن نعرفها ونحمد الكريم عليها، ونستمسك بها في مستهل أيامنا وبواكيرها، فما أجمل تباشير الصباح المسبوقة بالبسملة والفاتحة، والمعطرة بهما.

فبسم الله نبدأ، وبسم الله نستعين، وباسمه نحتمي ونستدفع البلاء، وبسم الله نستنزل العون والسداد، وبالفاتحة المباركة نقرأ في صلواتنا المفروضة والراتبة والنافلة، وفي غيرها من الأحوال والوقائع، فمن فضل الله علينا أن البسملة والفاتحة معنا في اليوم والليلة بلا انقطاع. ونحن نتعبّد لله بهما صباح مساء، طامعين عقب ذلك بتحصيل بركة القرآن وفاتحته السبع المثاني، ونصنع هذا ابتغاء نيل بركة القرآن الذي كانت البسملة أول كلمة فيه وفي فاتحته، وأول كلمة في سوره الكثيرة، فاللهم علّمنا، وبصرنا، ووفقنا لما تحب من قول وفعل وعمل، واجعلنا من أهل القرآن الذين فهموه وتدبروه فأصابوا وعملوا به، وكانوا لغيرهم من المتقين قدوة وإمامًا خاصة في هذا المورد العذب النمير الزلال، حتى يكون لنا مثل مالهم من الأجور والحسنات يوم الحساب وتطاير الصحف.

أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض

ahmalassaf@

الأربعاء غرة شهر الله المحرم عام 1445

19 من شهر يوليو عام 2023م

Please follow and like us:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)