اللون والإنسان!
لا تنفك حياة الناس عن الألوان، فملابسهم مرتبطة بالألوان منذ الولادة وحتى نهاية الحياة، واختيارات الإنسان للأشياء تمر عبر نافذة اللون؛ من خلال تحديد اللون المحبب في المأكل والمشرب والمركب، فضلاً عن جميع كماليات الحياة، وأدوات الزينة والحلية فيما يخص الفتيات.
وفي رحلة خاطفة قرأت كتاباً عنوانه: إنه اللون: دراسة تحليلية لخصائص وتأثير اللون في الطبيعة وفي سلوكنا وحياتنا اليومية، تأليف ريتا طانيوس، صدرت طبعته الأولى عن دار الخيال عام (2010م)، ويقع في (189) صفحة، ويتكون الكتاب من مقدمة، ثم ثلاثة عشر عنواناً تتحدث عن أحد عشر لوناً، ومن الطبيعي أن يكون إخراج الكتاب باهراً، وفيه صور لافتة كثيرة، فأحببت استعراضه للفائدة والتسلية معاً.
كتب الدكتور عمران القيسي مقدمة جميلة عن الكتاب وطريقة المؤلفة فيه، معتبراً إياه حديقة وعي ملونة، حيث انطلقت المؤلفة في الألوان من عالم الطبيعة، وعبر الحضارات المختلفة، ونبشت عن ثقافة اللون لدى الأديان والشعوب، وحرصت على تقريب المعاني الحسية للألوان، والابتعاد عن الغوص في الجوانب العقلية المجردة، كما سعت إلى أن تصنع سردية خاصة لكل لون، ومن الطبيعي ألا نؤمن بكل ماورد في سياقات الألوان، وإن توقفنا عنده، أو تداولناه فيما بيننا، ومن الضروري ألا تأسرنا هذه السمات في التعامل مع ذواتنا، أو مع ممن حولنا، وألا توقف مسار عملية إصلاح النفس وتهذيبها.
بدأت المؤلفة باللون الأحمر، وأكثر من استعمله الصينيون، وكانوا يعتقدون أنه يجلب الحظ ويطرد الشر؛ ولذا يستخدمونه حتى في المفرقعات! ومن الطريف أن بعض قبائل أفريقيا تدهن وجه رئيسها بالأحمر تمييزاً له عن غيره، ومن قبيح ماذكرته أن قدماء المصريين أدخلوه في الزينة النسائية؛ بعد أن طحنوا النمل مع الخنفساء الحمراء! واعتبره الإنجليز لوناً خبيثاً يحتال على الرجال لإقناعهم بالزواج.
ودرجت المؤلفة قدر استطاعتها على نقل أقوال مأثورة تخص كل لون؛ مع سرد أسمائه المختلفة، وصدرت كل لون بأهم ما يرتبط به. ففي الأحمر ذكرت أحمر الشفاه، والساحة الحمراء في موسكو، والعين الحمراء الغضبية، والخطوط الحمر المانعة للتجاوز، وجهنم الحمراء أعاذنا الله وإياكم منها، وذكرت أن الأحمر يوحي بالحياة لأنه لون الدم، ويرمز للطاقة حيث الحركة والحرارة.
وهو لون التعنيف والتخويف، وأداة من أدوات الإغواء والإغراء، ويلفت الأنظار؛ ولذا استخدم في إشارات المرور للتوقف، ويعطي الأحمر شعوراً بمرور الوقت أسرع من الحقيقة. وهو لون غرائزي بامتياز كما تقول المؤلفة، وينمي الإحساس عند الناظر بالجوع إن للطعام أو للمعاشرة الجنسية. وتنفي الكاتبة عن الأحمر صفة لون الحب؛ وتقول إن الشيء إذا تجاوز حده أصبح وقاحة وتهوراً.
وأخيراً تصف محب هذا اللون بأنه متألق، جذاب، مندفع، حاد، قوي، ثائر، قاس، سريع، شهواني، خطر، حيوي، مبادر، قائد، اجتماعي، فوضوي، وهذه الصفات اجتهاد لا يلزم وجودها كلها، وأحياناً تكون متضادة، وربما تكررت في أكثر من لون. وتزعم ريتا بأن المرأة المحبة للأحمر تكون متسامحة بتعرية ما ينبغي ستره من جسدها، وتقول بأن الأحمر لون لباس الراقصات غالباً، ولا ريب أن الفتاة التي تراقب ربها ستطيع أمره بالستر والتصون، ولو كان اللون الأحمر ركناً ركيناً في اختياراتها.
البرتقالي هو ثاني ألوان الكتاب، وهو لون رهبان بوذا، ولون النمر صديقهم المفضل. وقد استخدمته الكنيسة البروتستانتية بكثرة، وتعد فرنسا الدولة الأكثر حباً لهذا اللون العصري، وتتخذه العديد من شركاتها لوناً لها. ويرتديه المنقذون من الغرق لأنه لا يخيف الغريق كالأحمر مثلاً، وهو لون التحرر السياسي؛ وإليه تنسب الثورة البرتقالية في أوكرانيا ثم الكويت، كما أن البرتقالي هو اللون الوحيد الذي يحمل اسم شيء معروف يرى ويلمس أي فاكهة البرتقال، ولأنه لون عصري فليس له مقولات مأثورة.
ويرمز إلى الصحة والغذاء، وهو لون التلذذ بكل شيء ماتع؛ وليس لون الشهوة فقط كالأحمر، وهو لون مشرق يوحي بالفرح والسعادة والتسلية، ومع أنه لون حار؛ إلا أن رؤيته لا تغضب الناظرين. ولأنه مزيج من لونين فهو ينطلق من عالمين، ومحبه غالباً ثرثار، فكاهي، ويحب مجالسة كبار السن لأخذ خبرتهم، ويقود سيارته بسرعة، ويهوى تجميع الأشياء؛ ويهب مسرعاً لتلبية طلب المساعدة.
ولا يقع في الحب إلا مرة واحدة؛ وما أسعد الفتاة بزوج برتقالي الهوى مع أني أشك بصحة هذه الفرضية لدى الرجال! ويتميز محب البرتقالي بأن عظمة الشأن لا تستهويه، وهو شخص مبذر، ولايحب الانتماء لفكر أو حزب، ولديه قدرة على التكيف، ونشاط واضح، مع إيجابية واجتهاد.
ثم جاء دور اللون الأصفر، وهو لون الذهب، وخاص بالإمبراطور في الصين، ومحبب للأديان لأنه لون النور والإيمان، ولذا يلبسه رهبان بوذا في بعض المناسبات. ولأنه لون يخطف الأبصار، فقد استخدمته السفن الكبيرة لتمييز مكان المرضى حتى لا يقترب منهم أحد، وهو لون المختلين عقلياً، أو الذين يعانون من أمراض عصبية كي يسهل التعامل معهم.
وتوصف الصحافة غير النزيهة بأنها صفراء، والضحكة اللئيمة صفراء كذلك، والوجه الأصفر هو الشاحب من مرض أو خوف أجارنا الله وإياكم. وفي تايلاند يلبس الناس اللون الأصفر في يوم الأثنين، وهو لون متغلغل في الحضارة، والرموز، والحياة، ويعد لوناً من ألوان السعادة والبهجة؛ حتى أن صورة الوجه الضاحك المبتكرة عام 1964م يرمز لها باللون الأصفر.
ويعد أكثر لون استخدمه الرسامون والفنانون، وهو لون أساسي حار، ويعتبر لون الإثارة الباطنية التي تخلو من الرغبات الجسدية، وتنصرف للمتعة الفكرية التي تنم عن ذكاء وعبقرية، وإليه ينسب الفرح المعنوي من التفاؤل والشعور بالمساندة والفخر والمرح.
وينظر للأصفر على أنه لون روحاني، وله ارتباط بالحكمة والعظمة العقلية، وهو محفز للذاكرة ومنشط لها، ويتميز محبوه بأناقة الملبس، والثقة بالنفس، والسيطرة، والنبل، مع شعور كبير بالكمال الذاتي. ومحبه شخصية مبدعة تنطلق منها الأفكار، وقد يكون سليطاً في بعض انتقاداته، بالإضافة لكونه عملي لا تؤثر العاطفة عليه كثيراً. وهو كثير الشك، ومثقف، متردد، لاذع الانتقاد، معتن بنفسه، كثير الاحتياط، جاسوس، محفز، قوي العقل، متفلسف، حيوي، متصابي، وعلى الفتيات مزيد العناية بزوجها المحب للون الأصفر حذار تصابيه!
بعد ذلك انتقلت الكاتبة إلى اللون الأخضر، وهو لون الربيع والبيئة وغصن الزيتون والإسلام، وهو رمز للخصوبة والشفاء، وإن اعتبرته بعض الحضارات لون ممارسة السحر. ولأنه يوحي بالسعادة والانطلاق صار فراشاً لملاعب عدد من الألعاب الرياضية، ويعد أكثر لون احتار الناس في تسميته ما بين أخضر وأزرق وأصفر.
ويمتاز محبوه بالهدوء والثقافة، والانسجام مع الذات، ونادراً ما يطرقهم اليأس، ولا يعرف صاحبه المكر في التعامل مع الآخرين، ويتمتع بالوقار، والاعتماد على عامل الوقت، وغالباً يكون محبه محظوظاً، ويتعامل مع الأمور برفق، وصحته جيدة، ويحرص على ممارسة الرياضة وتناول الغذاء الصحي، ومتابعة الأخبار الطبية، مع التفات خاص للزراعة والآثار، وهو منطقي، محلل، حيادي، حنون.
وأما اللون الأزرق فهو لون السماء، والذكورة، والجواهر الثمينة، والكرز البري اللذيذ، وهو قسيم اللون الأحمر، ومجبول على العظمة، واعتقد الأقدمون بأنه يطرد النحس ويجلب الحظ؛ ولذلك جعلوه لفافة للمولود الذكر. وعبر تاريخ الوثنية كان اللون الأزرق رداءً لكثير من آلهتهم تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.
وهو لون بارد جداً، وله قدرة على الإيحاء بالهدوء وتخفيف الضغوط، ومعالجة الصوت المرتفع، وينصح به لمن يعاني من الأرق؛ باعتباره مقدمة رائعة للنوم والنعاس. ويغلب على محبيه ارتداء الملابس الرسمية، وهو اللون الأكثر اختياراً من قبل الرجال، والمرأة التي تحبه تعاني من صفات ذكورية؛ وعلى الخاطب التأكد من اللون المفضل للفتاة المرشحة له-بعد التأكد من لونها هي ومناسبته له-؛ وبالطبع فغالب البنات يجتنبنه باعتباره لون الرجال؛ فسبحان من جعل الفطرة السوية تأنف من الاختلاط حتى في الألوان.
ومحب هذا اللون صادق صريح، هادئ متآلف، يجذب الآخرين، مهتم بالنظافة لدرجة الهوس، وفيه حزن خفي وفضول، ومع ذلك فهو حافظ أمين للأسرار؛ ولذا فهو محل ثقة. ومن سماته أنه يفهم بالإشارة، وكثير الحنين والتأمل، وساع بالإصلاح، ولا يخلو أحياناً من انطواء وحب للعزلة.
ثم وقفت المؤلفة عند لون مهيب جداً، وهو اللون البنفسجي، لون الروح، والشهرة، والحدس، وله قيمته عند الكنيسة الكاثوليكية، وفي فرنسا يعتبر لون الكفن، ويرمز للموت ذاته في الصين، بينما تلبسه الأرملة في بريطانيا، ويرمز عند النصارى إلى المجيء الثاني للمسيح.
ويضع البنفسجي نفسه في مصاف الألوان الحارة والباردة، مع أنه لون بارد، ويمكن وصفه بالبارد الحيوي، وهي صفة خاصة به دون سائر الألوان، ويمتاز البنفسجي بالتصاقه الجذاب مهما كان اللون المجاور له؛ فلا يشعر المشاهد بتنافر أو انعدام التنسيق. وروت الكاتبة عن الرسام العالمي ليوناردو دافنشي قوله بأن اللون البنفسجي يزيد من قدرتنا على التأمل عشرة أضعاف القدرة الحقيقية، وآمل ألا يكون الرسام دافنشي قد دفن شيئاً بمقولته هذه!
وهو لون السرية والغموض، والعمق والحكمة، والمال والرفاهية والمناصب الرفيعة، وموجته هي الأقصر من بين جميع موجات الأشعة الملونة، وهو لون الشهرة والتمثيل، ولون الموهبة والحس المرهف. ويجري في دم محبه دم أرستقراطي فيتصرف برفعة مطلقة، ولو كان متسولاً على قارعة الطريق!
ومن يحب البنفسجي ولد ليكون إنساناً مهماً، ويتوق للأفضل دوماً، ويحظى باحترام وهيبة في محيطه، ويهوى الموائد الفخمة، ويعجبه أن يسجل حضوراً اجتماعياً، ومن الأوجه المختلفة لمحبه ميله أحياناً للتصوف والتعبد، وقد يتعرض لتقلب في المزاج؛ ومن يحب اللون البنفسجي المحمر “الفوشي” يعاني من شخصية متعالية متغطرسة! ومحب البنفسجي بالجملة استنباطي، متكبر، فخور، أنيق، مستقل.
ونصل الآن إلى لون الرقة والأنوثة، اللون الذي تحبه جل الفتيات الصغيرات، وهو اللون الزهري، لون أدوات الزينة، ويوم التضامن لمكافحة سرطان الثدي، ولون الدمية باربي التي ابتكرتها البولندية روث هاندلر عام 1959م تفاعلاً مع لعب ابنتها باربرا بدمى ورقية. وأشهر مبنى في العالم اتخذ من الزهري لوناً له هو القصر الرئاسي في الأرجنتين المشيد عام 1878م، واختير هذا اللون بالذات لأن البلاد خرجت من حرب أهلية فأرادوا الجمع بين اللون الأبيض رمز الكونفدرالية، واللون الأحمر رمز الفدرالية، ولايعد الزهري من ألوان الطيف السبعة؛ فهو خارج عن هذا السرب.
ومن الغريب أن يستخدمه الرجال المعروفون بالصلابة والشدة، والابتعاد عن النعومة والرقة، وهو لون الغنج والدلال، ومحب هذا اللون غالباً من المدافعين عن حقوق المرأة، ولدى محبه حلم بالزواج والاقتران بفارس الأحلام، والجلوس مع محبي الزهري جميل وممتع ومسلِّ؛ وتذكرني هذه الأوصاف ببيتين لشاعر قديم يقول فيهما:
وكنت إذا ماجئتُ سعدى أزورها ******** أرى الأرض تُطوى لي ويدنو بعيدها
من الخفرات البيض ودَّ جليسها ******** إذا ما انقضت أحدوثة.. لو تعيدها
ومن صفات محب الزهري أنه اجتماعي، حنون، حساس، ضعيف، طفولي، طائش، بريء، أنثوي، مغر، لطيف، مفرط في حب العطور.
وأما البني فهو لون التربة، والقهوة، والكاكاو، والتبغ، والتلوث، وهو لون الحزن، ولا مجال للمساومة مع محبه، الذي يذكرنا بالنساك، وتخف نفسه للعطاء المجاني. وهو لون الخبز، ولون بسيط لا يطلب زوائد إضافية؛ وهو أشبه ما يكون بلون الحقيقة المطلقة، ورؤيته مؤدِبة ومهدئة؛ ولذا ينصح به لأصحاب فرط الحركة والنشاط العشوائي الزائد.
ومحبه غالباً يحب الوحدة، ويتميز بالصبر والرصانة، ولديه أذن موسيقية، وهو بعيد عن التلون ، ويقدم خدماته دون مقابل، ولذا فالتقرب منه له متعة خاصة تجعل علاقتنا معه بوابة إلى عالم لذيذ، وقد يكون أحياناً عجوزاً يعيش في جسد شاب، وهو عنيد، صادق، خدوم، محبوب، وفي، حنون، ناضج.
والرمادي هو لون الحياد القاتل كما تصفه ريتا طانيوس، وهو لون الرماد والرصاص والإسمنت، والدخان والشيب، ويشارك الرمادي إخوانه البني والأبيض والأسود في صفة الحياد بتعامله مع باقي الألوان. وهو لون العدل؛ ولذا يتوافق معه برج الميزان، كما أنه لون الكآبة والكسل أعاذنا الله ومن يقرأ، ودرجاته كثيرة جداً، ولا يجاريه لون آخر، ويرمز الرمادي لعدم التورط، ومن يقترب منه كثيراً يداهمه شعور بمضي الحياة دونما إنجاز أو إحراز تقدم.
ويعيش محبه في دوامة حماية نفسه من المجهول، فلاهو يعرف الخطر القادم، ولا هو مستمتع بلحظات آمنة، ويكفيك من شر سماعه! ويرمز الرمادي للتحجر والصمود، ولدى محبه قدرة فائقة على الفصل بين الحق والواجب تؤهله لأن يمارس القضاء إن تأهل له. ولديه رغبة بالصمت والانعزال، وتعلوه مسحة حزن تجعله يبدو عجوزاً وهو في شرخ الشباب. ونظراً لمزاجيته فقلما يصبر معه أحد، مع أن مظهره الوقور يدعو لهيبته واحترامه. وهو مكتئب، غضوب، متذمر، كتوم، حيادي، عادل، عملي، خائف.
ثم عقدت المؤلفة فصلاً خاصاً للمقارنة بين الأبيض والأسود، وهما لونان يحتلان مكانة رفيعة في قلوب جل البشر، ولم تفد وساطة الرمادي بينهما شيئاً، ويمثلان قوة الخير والشر في أكثر الحضارات والأديان. ويشتركان في ميزة الإيضاح والظهور، وكثيراً ما يستسلم محب اللونين للخرافات والدجل، ويتميز بسيل من الصفات المتناقضة، فهو غريب الطباع، ومتململ .
عقب ذلك خصصت الحديث عن الأسود، وهو لون الحداد والسرية والشعوذة والتشاؤم، وفي التاريخ الأوروبي أصبح لون البلاط الملكي في القرن الخامس عشر الميلادي، وارتبط اللون بالموت من خلال ملابس الحداد، ويبقى الأسود دوماً أقوى من لابسيه، ويعد اللون الثاني للإغراء بعد الأحمر، وهو اللون الأكثر مبيعاً في العالم؛ ومن متناقضاته أنه يعبر عن قوة شخصية لابسيه أو يعوض عن ضعفهم!
وشخصية محبه تميل للغموض، ويحب الخوض في الموضوعات المحظورة كالسياسة والجنس والدين، وهو إنسان شديد الخصوصية، ولذا لا يعتبر إنساناً منفتحاً، ويبالغ في الظهور المسرحي المتكلف، ولا يأبه كثيراً بالخسارة، ولا يمثل الحب فرقاً كبيراً لديهم، ولا يغيرون قناعاتهم أو طباعهم لأجل من يحبون، وأعان الله المرأة العاقلة-وما أقلهن_ على زوج أسود المزاج! ولا يطيق محبه خيبات الأمل، ويكره أن يتجاهله أحد، ويرفض طلب الحماية مع حاجته إليها، وهو إنسان وقور، أنيق، غامض، قائد، فوقي، رسمي، متحكم، سيد نفسه، مهيب، جذاب.
أما اللون الأبيض فهو لون الحجّاج، والعروس، والثلج، والممرضات، وراقصات الباليه، والفيل الأبيض الذي أصبح تقليداً يرمز لتبادل الهدايا، فمرحباً بالفيلة البيض! وهو لون متفهم، يهتم بالمشاعر، ويحمل الراحة والسلام، ولذا فهو اللباس الطبي؛ كي يعطي المرضى شفاهم الله شعوراً بالطمأنينة.
ويرمز الأبيض للمصالحة مع الذات، والطهارة والعفة، ولذا تودع كل فتاة حياتها العذرية بارتداء الثوب الأبيض، ويحمل أسمى المعاني وأقدسها، حتى أن الصوفية عرفوه بأنه لون النور الداخلي، وهو أكثر الألوان برودة، ويعكس الألوان الأخرى مظهراً محاسنها.
ومحبه مرح، مقبل على الحياة، ساع للكمال، يكره الضجيج، وهو مهذب ولطيف، وكلامه سياسي، وينتهي الخلاف معه برقي متناهي، ويكره المتطفلين، ولذلك يبني حدوداً يلزم الآخرين بها. وحبه العاطفي عذري نقي، وهو مستمع جيد، يحب الأطفال، ويكره التملق، ويحب التسوق والرقص والصلاة، وبالجملة فهو بريء، رقيق، دقيق، نقي.
ثم قسمت المؤلفة الناس إلى فئات وما يضادها، وحددت الألوان المحببة لكل فئة، وربطت بين الالوان والأمزجة حسب فصول السنة الأربعة، وذكرت أن الأديان والحضارات استخدمت الألوان بكثافة، ونبهت على استحالة أن يحب شخص كل الألوان مرة واحدة، وذكرت أن حب لون معين قد يرتبط بثقافة، أو مهنة، أو علم، ولم تذكر شيئاً عن اللون والمراحل العمرية، كما لم تربط بين الألوان والمهن.
ومهما يكن؛ فلسنا نسلم تماماً بمعلومات الكتاب، ومع ذلك فلا ننكر صوابية بعضها وانطباقها على الواقع، وإنما نشطت لتلخيص الكتاب حين وجدت تفاعلاً ممن حولي حين تحدثت عنه عرضاً ، ومن لطيف ما صادفني أن صديقاً عزيزاً ذكر قبل أن يعرف الصفات بأنه يحب البني، ومن خلال معرفتي ومجموعة فرسان الملاذ بهذا الصديق، نجزم بانطباق كثير من صفات البني عليه، فهو صاحب هبَّات للعطاء والنجدة والخدمة، ويداخل الإنسان من حيث لا يشعر كما يفعل لذيذ الكرى، والقرب منه يشعر بالسعادة واللذة؛ فهو سِفر حنان، ورمز حب، والله يديم عليه بركاته وأفضاله، ويبقى على القارئ العزيز أن يختبر مدى دقة معلومات الكتاب قياساً على لونه، وصفاته.
أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرِّياض
الثلاثاء 17 من شهرِ شعبان عام 1437
24 من شهر مايو عام 2016م
One Comment
تنعدم الفواصل بين الألوان، امتزاجها سماء وغيوم وخضرة وبهاء، نظل منجذبين إلى الأفق المفتوح، نافرين من ألوان الحزن والكآبة والسوداوية، راقني تحليل الأصفر كثيراً ربما -يشبهه-او -يشبهنا- حينما وقعنا في حب هذا اللون!
كتاباتك أياً كانت مواضيعها تغمرنا بالكثير من الدهشة، إنك تمنحها بلمساتك تلوينًا ضاجّاً بالمفارقات، أسوار الألوان تعقد صلتها بالحياة، و محبة اللون الأصفر الذي يجمعنا قيّدني بين معصميه، مالم يقله الكتاب عن تصابي الأصفر أنه صهريج مندفع بحممه يتناثر بمجرد الملامسة، مشتعلٌ حبره ينسكب بشدة حينما ينفعل!
مقالة راقت لي .. المرة الثالثة التي اقرأها!