لغة وأدب

حماية المعاني والألفاظ

Print Friendly, PDF & Email

حماية المعاني والألفاظ

اللغة بوابة التفكير، منها يدلف الإنسان إلى التصور والحكم، فإذا كانت اللغة ثرية واسعة، فسينتج عنها تفكير بأفق رحب غير منغلق، ولا ضيق. وإذا أصبحت اللغة دقيقة واضحة، فسيغلب على نتائج التفكير الدقة، والابتعاد عن التناقض.

وحين جثم الاحتلال على بلاد المسلمين خلال القرون السابقة وما تلاها من تبعية وظيفية بغيضة، امتدت يد الغزاة وجنودهم إلى مناهج التعليم، ووسائل الإعلام، كي تجعلها سائرة في ركابهم، بمضمونها، وأدواتها، ومستواها، والقائمين عليها من رجال ونساء؛ وإن كانوا من بني جلدتنا.

ولم يكتف هؤلاء الغزاة لديارنا، والبغاة على ثقافتنا، بنحت الألفاظ، واختراعها وفق ما يريدون، بل شنوا حملة تشويه على الألفاظ الأصيلة، حتى نزعوا عنها دلالتها، وصيروا معانيها على الوجه الذي يريدونه، أو جعلوا بعض هذه الكلمات تساق في غير طريقها، أو تقال همساً حين يجرؤ أحد على النطق بها، وألبسوا المعاني الخسيسة ألفاظاً شريفة، وأفسدوا نبيل المقاصد بخبيث الألفاظ.

فمن كان يتصور بأن الجهاد وهو ذروة سنام الإسلام، ستكون كلمة صعبة، ثقيلة على اللسان، بطيئة الجريان مع القلم؟ ومن يصدق أن لفظ الشهيد قد يطلق على كل أحد؛ حتى فسقة الناس وسقط المتاع، بينما لا يجرؤ أحد أن يصف به من يستحقه بإذن الله؟ والأمثلة كثيرة في تقبيح الحسن، وتحسين القبيح.

وانسحب الأمر على المعاني فغدا الصبر حجة قعود، والإيمان بالقضاء والقدر سبب عجز، والحكمة مسوغاً للمذلة، والتوكل مركباً للنكوص! واستمر التقزيم حتى بلغ شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فأصبح معناها محصوراً في دائرة أشخاص، وأعمال؛ وحجز عن سمته العامة الشاملة!

ومن الواجب إعادة الألفاظ إلى مواقعها، وتنقية المعاني مما علق بها، وإزالة الخطل والخلط في أي لفظ أو معنى، وهذه مهمة خطيرة، لها من الأهمية قدر كبير، فحين يستخدم الناس الكلمة الصحيحة، بمعناها الصواب، في سياقها المناسب، فستكون النتيجة مذهلة، والثمرة هي المرجوة.

 ويقع عبء هذا الواجب على كل فرد بحسبه، ففي البيوت واجب على الأم والأب، فهما أول معلم للأولاد والبنات، ومنهما تحفظ الكلمات، وتحفر المعاني، وبهما يقتدى. ثم يشترك في حمل هذا الأمر مؤسسات المجتمع بعد مؤسسة الأسرة، كالمسجد، والمدرسة، ووسائل الإعلام والنشر، ولا يلغي هذا المسؤولية الفردية في السؤال، ومحاولة الفهم.

وفي وسائل التواصل الاجتماعي فرصة سانحة، وطريق فسيح للتصحيح والبيان، خاصة مع استخدامها من قبل عامة الناس، وفي كل وقت، لدرجة الإسراف الممقوت في أحيان كثيرة. ولا يكون المصلح مصلحاً ما لم يؤثر في واقع الناس ووعيهم؛ فيغرس فكرة ملهمة، ويبذر مفهوماً صحيحاً، وستجد مساعيه بفضل الله من يسقيها ويحوطها لتنمو، وتثمر، ويكون لها ظل وارف، ونفع كبير، وبركات متعددة.

أحمد بن عبد المحسن العساف-الرياض

الخميس 27 من شهر رمضان المبارك 1438

22 من شهر يونيو 2017 م

Please follow and like us:

One Comment

  1. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ايها الكاتب الفاضل وجزاك الله خيرا صدقت في كل كلمة كتبتها . بارك الله فيك وجعلها
    في ميزان حسناتك . وفقك الله لما يحب ويرضى .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)