سياسة واقتصاد عرض كتاب

قبل سقوط الشاه…بقليل

Print Friendly, PDF & Email

قبل سقوط الشاه…بقليل

هذا عنوان لكتاب مثير عن اتفاق النفط السري الذي أطاح بشاه إيران، وهو من تأليف د.أندروسكوت كوبر، وإعداد وترجمة وتحقيق د.حمد العيسى، وصدرت طبعته الأولى عن دار مدارك للنشر عام (2014م)، ويقع في(215)صفحة من القطع المتوسط، بطباعة أنيقة، وعلى غلافه صور أهم ست شخصيات سياسية ذكرت فيه، وللمترجم تعليقات وتوضيحات موفقة، وفي آخر الكتاب سرد للهوامش؛ وليتها كانت في مواضعها من كل صفحة حتى لا يتنقل القارئ كثيرا.

يمكن تقسيم الكتاب إلى أربعة أقسام، فالقسم الأول يشمل الإهداء والشكر والمقدمة، مع التعريف بالمترجم والمؤلف وكاتب المحاضر وبعض التنويهات، والقسم الثاني ترجمة للكتاب الأصلي مع هوامشه، بينما وضع المترجم في القسم الثالث ملاحق لمحاضر الاجتماعات كاملة، واقتصر القسم الرابع على الصور مع تعليقات جلها سبق إيرادها في الأقسام السابقة.

وابتدأ الكتاب بإهداء من المترجم لصديقه المهندس عبد الحميد الهطلاني، ثم شكر لدار مدارك على مهنيتها في التعامل، ووضوح سلسلة الإجراءات مع بيان الحقوق والواجبات، وعنايتها بالتصحيح اللغوي كجزء من إجراءات النشر، وهي مزايا حضارية يرى المترجم الخبير أنها مفقودة عند جل الناشرين العرب، ومع الثناء على ذلك فإن الكتاب لم يخل من ملحوظات نحوية لعلها أن تستدرك لاحقا.

ذكر المترجم في المقدمة أنه اعتاد على اختيار عنوان لترجماته يختلف عن العنوان الأصلي؛ على أن يتمتع عنوانه المختار بالإثارة والرمزية، والمقارنة بين العنوان الذي أبدعه المترجم وبين عنوان الكتاب الأصلي تؤكد نجاح العيسى في ذلك، وقد كان عنوان المؤلف:”مواجهة الدوحة: اتفاق النفط السري الذي أطاح بشاه إيران”.

ويرى المترجم أن هذا الكتاب عظيم القيمة مع صغر حجمه، ويتضمن دراسة موثقة من باحث نيوزيلندي تشرح سبباً مجهولاً من أهم أسباب سقوط الشاه محمد رضا بهلوي؛ الذي فشل في رفع سعر النفط إبان اجتماع أوبك في الدوحة في(ديسمبر1976م). وبعد أن رُفعت السرية عن الأوراق الخاصة بالجنرال برنت سكوكروفت المستشار في البيت الأبيض استطاع الباحثون الوصول إلى وثائق تبين العلاقات السرية بين كبار المسؤولين في واشنطن والرياض وطهران، وهذه الأوراق عبارة عن مذكرات ومحاضر اجتماعات كتبها سكوكروفت حين شغل منصب نائب مساعد الرئيس لشؤون الأمن القومي (د.هنري كيسنجر) في إدارتي نيكسون وفورد.

وكانت أطروحة مؤلف هذه الدراسة للدكتوراه عن تأثير صدمة (1973م)النفطية على العلاقات الأمريكية-الإيرانية قبل ثورة عام (1979م)، ونشرها بعد ذلك في كتاب حافل طبع عام (2011م) بعنوان: “ملوك النفط:كيف غيرت أمريكا وإيران والسعودية موازين القوى في الشرق الأوسط”، وليت العيسى يضعه ضمن خطته ويترجمه.

ولأن هذه المحاضر أبانت عن أسرار خطيرة وكثيرة مع أن كوبر نشر مقاطع منها فقط؛ وكانت قصيرة ومبتورة، فقد نقب المترجم عنها وعثر عليها، وترجمها كاملة، وأضافها للكتاب في عدة ملاحق، وأضاف معها محاضر اجتماعات أخرى صادفها وهو يبحث عن المحاضر السابقة، ويعِد د.العيسى بإضافة المزيد في الطبعات القادمة.

وهناك أمران شجعا العيسى على إنتاج هذا المشروع دون أن يكون مدرجاً في خطته لعام (2014م)؛ وهذان الأمران هما: تخليد حسنة مجهولة للملك خالد، والتفاعل مع مفاجأة أوباما في ميله الواضح تجاه إيران على حساب السعودية وباقي دول الخليج؛ كي نأخذ الحذر من محاولة إحياء مؤامرة أمريكية-إيرانية قديمة لاحتلال حقول النفط، فالماضي كما نقل المترجم عن وليام فولكنر لا يموت مطلقا، والعداوة متوارثة كما قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه!

وكتب المترجم نبذة مختصرة عنه، ثم نقل عدداً من التقريظات التي يستحقها وزيادة، وبعضها من قامات علمية وفكرية وثقافية، ومع ما فيها من رؤى معبرة وأوصاف جميلة؛ إلا أني أعتقد أن د.حمد العيسى قد تجاوزها بأعماله المتنوعة الحاذقة ولم يعد بحاجة لها، بل إنه أهل لأن يقدم غيره للقراء، ولست ألومه على نقله ماكتبه الآخرون عنه نظراً للجحود الذي يلاقيه المبدعون خاصة في مجال الترجمة،  ولم ينس د.حمد العيسى أن يعرف بالمؤلف، وبالجنرال سكروكوفت؛ الذي عمل مع عدة رؤساء لأمريكا وآخرهم أوباما!

وفي القسم الثاني إشارة إلى أن الثورة الإسلامية في إيران كانت ثمرة غير مقصودة للضربة القاضية التي وجهتها السعودية للشاه في اجتماع الدوحة (ديسمبر1976م)، حيث منعت ارتفاع سعر النفط مما ضاعف المشكلات المالية في إيران، والمؤلف يرى أن الثورات الكبرى في فرنسا (1789م)، وروسيا (1917م)، وإيران (1979م)، كانت مسبوقة بأزمات مالية.

ومما ورد في هذا القسم تزكية فورد لديكتاتورية الشاه الحميدة وأمنيته بتكرارها في غيرما بلد! وتنويه بالعلاقة الخاصة بين كيسنجر والشاه لدرجة اندماجهما في المحادثات بنشوة وكأنهما ثملان! ودفاع كيسنجر عن الشاه حتى لو تضررت مصالح بلاده خلافاً لوزير الخزانة بيل سايمون الذي كان يناصب الشاه العداء، وينسق سراً مع وزير النفط السعودي الشيخ أحمد زكي يماني الذي كان يقرأ الطوالع لسايمون!

ومن فرط عناية كيسنجر بالبهلوي أن أقنع فورد بترك مناقشة أسعار النفط معه، حتى فاجأهم الشاه بتصريح قرب البيت الأبيض يعلن فيه أن أسعار النفط سترتفع ولا محالة؛ مما أغضب الصحافة الأمريكية التي خرجت بعناوين عريضة تقول: أمريكا تركع أثناء زيارة الشاه!

وأورد المؤلف نفور الشعب الإيراني من بذخ الشاه بمناسبة مرور خمسين عاماً على حكم سلالته، وزاد من غضبهم ارتفاع مستوى التضخم، وجنون الأسعار، وتنامي نسب البطالة، وانقطاع الكهرباء، واختناقات المرور، ولم تجدِ شيئاً التعهدات الأمريكية بالتزامها نحو  حماية نظام بهلوي، وكان النفط سبباً لمحق هذه الأسرة ومحو أيامها، فشراهة البهلوي تجاه المال لإشباع فساده، وطموحاته وتسلحه، جعلته لا يحسن تقدير المواقف ولا يبصر المآلات؛ واضطر أن ينفق ما يفوق عائداته النفطية على إنعاش الاقتصاد المحلي بدلاً من استثمارها في الخارج؛ ولم ينقذه هذا الإجراء المتأخر، فصار خبراً بعد أن كان الشرطي الأمريكي في الخليج.

وكان الشاه يستاء من قراءة التقارير التي تصف غليان شعبه، ويغضب من الأوصاف التي يوصم بها، ومن نشر فضائح فساده وفساد أسرته، ويجبر الأجهزة الحكومية على التلاعب بالمؤشرات ليضلل الناس بأرقام دون المستوى الحقيقي، وربما ركن إلى علاقته مع كيسنجر وما علم أن بيل سايمون وزير الخزانة، ودونالد رامسفيلد وزير الدفاع قد أضمرا له ما يسوءه، وقد شغل نفسه بعيوب السعوديين دون أن يلحظ أنهم يتقدمون لقيادة أوبك؛ ولو خسروا شيئاً من الأرباح والسمعة في العالم العربي، مادامت المحصلة تصب في تحسين العلاقة مع أمريكا.

وفي القسم الثالث ملاحق تشهد للمترجم بحسن الصنيع وجمال العمل، أولها عن مؤامرة كيسنجر-الشاه لغزو السعودية بالتعاون مع العسكر في مصر، والثاني محضر اجتماع بين فورد والسفير السعودي علي رضا الذي رغب المترجم في تدوين معلومات عنه لكن السفارة السعودية في واشنطن لم تجب طلبه! والثالث اجتماع طويل بين نيكسون والسفير السعودي الألمعي إبراهيم السويل، والرابع محضر اجتماع بين فورد والسفير الكويتي سالم الصباح؛ وكانت الكويت خلال الستينات والسبعينات مزعجة للسعودية! والخامس محضر طويل وماتع لاجتماع كيسنجر وجولدا مائير، وفيه إخلاص بيِّن من كيسنجر لليهود، ووداد متبادل بين الوزير الأمريكي ورئيسة الوزراء اليهودية العجوز، والملحق السادس والسابع صور ضوئية للمحضر الأول والخامس، وختم الكتاب بملحق للصور وتحتها تعليقات غالبها مذكور في نص الكتاب وملاحقه.

وأجزم أن وزارة الخارجية ورئاسة الاستخبارات لديها عناية فائقة بترجمة ما يهم بلادنا، وليتها تفيد من المبدعين المثابرين كالمترجم المهندس الدكتور حمد العيسى، فمثلة طاقة نشيطة متدفقة، وهو حريص على خدمة دينه وبلاده وأمته، وهذه الكفاءات هي التي تسد النقص الموجود لدينا في البحث والإحصاء دون تسليم بكل ما يقوله الآخرون.

أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرِّياض

  ahmalassaf@

الخميس 09 من شهرِ رجب الحرام عام 1435 

Please follow and like us:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)