مواسم ومجتمع

جدل القيادة أم قيادة الجدل؟

Print Friendly, PDF & Email

جدل القيادة أم قيادة الجدل؟

ثارت في الأسابيع السالفة مسألة قيادة المرأة للسيارة، وكثر الحديث حولها ما بين مؤيد ومعارض ومتوقف؛ ولازال السجال مستمراً في المجالس والمنتديات والصحف؛ مع تتابع تصريحات المسؤولين بعبثية طرح هذه المسالة أصلاً.

ولست بصدد الكتابة عن صلب هذا الموضوع؛ لكثرة ما خطته الأقلام بمايغني عن التكرار، مع الدعاء الخالص لمن كتب فيه بأن يجعل الله الأجر نصيبهم، وأن يوفقهم للحق والعدل دوماً. وعوضاً عن ذلك رأيت الكتابة عن موضوع معاكس لجدل القيادة، وهو كيف نقود الجدل في الموضوعات التي سوف تطرح كثيراً، وسيكون إيرادها واحدة تلو الأخرى، تمالئاً من المفسدين على إشغالنا، وسحبنا إلى حلبات وهمية أو حقيقية؛ ليمرر من خلالها مشاريع الفساد وأجندة حزب الظلام؛ وهم يمكرون والله فوقهم يسمع ويرى ويمكر بهم وهو خير الماكرين.

فكيف نقود الجدل؟ للجواب أجتهد فأقول:

  • الدعوات التي لا تتبنى بناء المفاهيم وترسيخها في النفوس، يكون مصيرها الانكسار أمام الزوابع والأعاصير، ولذا فلابد من جعل الرسالة الدعوية مشحونة بالقيم والمفاهيم، مع تكرار ترسيخ هذه المفاهيم بعدة طرق وغير ما مناسبة. وهذا الموضوع – بناء المفاهيم – يحتاج إلى كتابة خاصة وعسى الله أن يوفق لها أحد عباده قريباً.
  • جرت العادة بتقسيم مواقف الناس تجاه القضايا إلى ثلاثة أصناف: موافق ومعارض ومحايد؛ ومع منطقية هذا القسمة، وسهولة التعامل معها، إلا أنني أقترح الاستفادة من المنهج الإحصائي الذي يقسم الناس إلى خمسة أقسام: موافق جداً، وموافق، ومحايد، ومعارض، ومعارض جداً؛ والفائدة من وراء هذا التقسيم المتوسع، تنويع الرسالة الموجهة إلى كل قسم، فما يطلب من الموافق جداً غير ما يطلب من الموافق، وما يقال للمعارض جداً وعنه غير ما يقال للآخر وعنه.
  • مَنْ يخدم الناس ويحسن إليهم يسهل عليه قيادة المجتمع وتوجيهه؛ فالنفوس مفطورة على حب المحسن وطاعته؛ ولذا فمع الأجر العظيم المترتب على نفع الناس، يجب ألا نغفل أهمية تقديم الخدمات المختلفة، وتلمس حاجات المجتمع وتلبيتها بما يتوافق مع رسالتنا السامية.
  • لابد من استثمار المنابر المتاحة الاستثمار الأمثل؛ لتوجيه الناس الذين يتعطشون للحقيقة؛ ومن سبل الاستثمار، تجديد استخدام هذه المنابر والتنسيق بين القائمين عليها، ومن الحكمة التوسع في البحث عن منابر أخرى؛ تحسباً لأي عارض، وما أغلق باب إلا فتح غيره لمن تفاءل ونظر.
  • التواصل مع العلماء في دوائرهم الرسمية، ومنازلهم ومساجدهم، ومن خلال طلابهم؛ وهذا التواصل يجب فيه الاستمرار وألا يكون حال النوازل فقط. وفائدة هذا العمل المبارك، الحصول على تأييد العلماء والقضاة من خلال إصدار الفتاوى، ونصيحة المسؤولين، وترشيد الشباب، وغير ذلك مما لا يخفى من بركة العلم وأهله.
  • التواصل مع أصحاب القرار بالبرقيات، وعن طريق العلماء والمقربين لهم من صالح المستشارين والأبناء والزوجات؛ وينبغي في هذا التواصل مراعاة حال المسؤول ومكانته، وبيان ما يعود من فوائد أو مضار عامة للمسألة المطروحة، مع المقارنة والتوضيح.
  • تحريك أصحاب الشأن لينطقوا بالحق المبين؛ ففي قضية المرأة مثلاً ينبغي أن تكون الصالحات – وهن كثر – في مقدمة الصفوف؛ وهكذا في كل شأن.
  • إبراز المتخصصين في الموضوعات والمسائل المثارة، لأن حديث المتخصصين يلقم حجاراً صلبة في أفواه عشاق الكلام الذي يجلب الغثيان والقيء.
  • الحرص على توثيق المعلومات والأرقام بدراسات رزينة معتبرة؛ ليكتب لها القبول؛ ويجب الحذر من الاستشهاد بأي معلومة غير دقيقة.
  • إعداد الملفات الجاهزة عن الموضوعات “الغاطسة” التي تغوص ثم تطفو من جديد؛ وهدف الإعداد مواجهة أي طارئ، وتسليح القريبين من الموضوع والمهتمين به بما يكون مفيداً لهم.
  • صناعة الرموز العلمية والفكرية التي يأنس لها المجتمع، وتثق بها الجماهير؛ حتى يكونوا مرجعاً في المدلهمات والخطوب؛ ونحن لانزال نعيش في تراث الإمامين الرمزين الشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ محمد بن عثيمين رحمهما الله، غير أن المسائل تتجدد؛ ولابد من الرموز المعاصرة.
  • خير وسيلة للدفاع الهجوم؛ وإن حصون أهل الباطل ومنابرهم – بله أشخاصهم – مليئة بالعوار والنقائص، وجدير بنا إشغالهم بالمطالبة الدائمة المستمرة المتجددة بالإصلاح والتصحيح، من باب الاحتساب العام معذرة إلى الله، ولعلهم يرجعون فنكسب منابر جديدة، أو نأمن شرهم على الأقل.
  • وأخيراً لابد أن نكون من يبدأ بالطرح والمباغتة، وألا تكون تحركاتنا دائماً ردود أفعال تملى علينا من تصرفات الأطراف الأخرى.

هذا ولا يزال الحق والباطل في سجال وتدافع، حتى يرث الله الأرض ومن عليها؛ وواجب في أعناقنا لاانفكاك منه حتى آخر رمق، أن نكون من حاملي المشاعل؛ الذين ينيرون الدروب لهم وللسائرين، حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً.

أحمد بن عبد المحسن العساف – الرياض

الجمعة 10 من شهر جمادى الأولى 1426

Please follow and like us:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)